ما تراه في اصطباح |
|
وعقود القطر تنثر؟ |
ونسيم الروض يختا |
|
ل على مسك وعنبر |
كلما حاول سيفا |
|
فهو في الرّيحان يعثر |
لا تكن مهمالة واس |
|
بق فما في البطء تعذر |
فجاوبه بما تأخّر فيه عن طبقته. وله في الكرم حكايات ، منها : أن زرياب غناه يوما ، فأطربه ، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار ، فاحتوشه جواريه وولده ، فنثرها عليهم. وكتب أحد السّعاة إليه بأن زرياب لم يعظم في عينه ذلك المال ، وأعطاه في ساعة واحدة ، فوقّع : نبهت على شيء كنا نحتاج التنبيه عليه ، وإنما رزقه نطق على لسانك ، وقد رأينا أنه لم يفعل ذلك إلا ليحبّبنا لأهل داره ، ويغمرهم بنعمنا ، وقد شكرناه ، وأمرنا له بمثل المال المتقدم ، ليمسكه لنفسه ، فإن كان عندك في حقه مضرّة أخرى ، فارفعها إلينا.
ورفع له أحد المستغلّين بتثمير الخراج أن القنطرة التي بناها جده على نهر قرطبة لو رسم على الدواب والأحمال التي تعبر عليها رسم لاجتمع من ذلك مال عظيم ، فوقّع : نحن أحوج إلى أن نحدث من أفعال البرّ أمثال هذه القنطرة ، لا أن نمحو ما خلده آباؤنا باختراع هذا المكس القبيح ، فتكون عائدته قليلة لنا ، وتبقى تبعته وذكرة السوء علينا ، وهلا كنت نبهتنا على إصلاح المسجد المجاور لك الذي قد تداعى جداره واختلّ سقفه ، وفصل المطر مستقبل ، لكن يأبى الله أن تكون هذه المكرمة في صحيفتك ، وقد جعلنا عقوبتك بأن تصلح المسجد المذكور من مالك على رغم أنفك ، فيكون ما تنفق فيه منك ، وأجره لنا ، إن شاء الله.
٣ ـ ابنه أبو عبد الله محمد (١)
كان أخوه عبد الله بن طروب قد رشحه أبوه للولاية بعده ، وكان نصر الخصيّ يعضده ، ويخدم أمه طروب الحظيّة عند عبد الرحمن الأوسط ، إلا أن عبد الله كان مستهترا ، منهمكا في اللذات ، فكان أولو العقل يميلون إلى أخيه محمد. فلما مات أبوهما ، وكان ذلك بالليل ، اتفق رؤوس الخدم أن يعدلوا بالولاية عند عبد الله إلى محمد فمر أحدهم إلى منزله ، وجاء به على بغلة في زي صبيّة كأنّه بنته تزور قصر جدّها ، فلما مرّ على دار أخيه عبد الله ، وسمع ضجّة المنادمين ، وليس عنده خبر من موت أبيه أنشد :
فهنيئا له الذي هو فيه |
|
والّذي نحن فيه أيضا هنانا |
__________________
(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٧) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٢٨٣ / ٢٨٧).