وقد علمت أنّ هذه الرؤيا لأمر عظيم وخطب فظيع ، وخاصة لتتابعها في وقت واحد. فقالوا له : إنّ علمك يفضل على علمنا فضل قدرك على أقدارنا ، فليقل في التأويل خيرا ، فإن الحكماء أمروا بذلك. فقال الملك : وهل لكلمة الأنس اقتدار على ردّ ما قد قضى الله ، وسبق به علمه؟ فقالوا : لا يفي علمنا بتأويل هذه الرؤيا ، ولا يستقلّ به غير مهراي العالم ، ووصفوا له أمره فقال : لو لم تكن لي إلى هذا الرجل حاجة لآتينّه اعظاما له وتيمّنا بلقائه ، فكيف ولي إليه حاجة. ثم ركب إلى أرضه في خفّ (١) من رجاله وأتاه وخرّ له ساجدا وأخبره الخبر فقال العالم : لا بأس عليك من رؤياك إلى مائة سنة ، ثم تضرّك بعض الضرر ، ولا يبيد سلطانك ، ولكنّك تسلم ، وتسلم بلادك بجارية ، وطبيب ، وفيلسوف. قال : وكيف ذلك أيها الصادق؟ قال : إذا تمّ الأجل أتت أمّة من المغرب يملكها الاسكندر ، والنصر محتفّ به. لا يطيقه الأنس والجن ، يدخل المشرق ويعطيه أهله المقادة ، وستسلم منه بما ذكرت ، فلا يطأ لك حريما ، ولا يخرّب بلدا ، وأمّته أمّة سوء ، وهذه الرؤيا عليهم.
أمّا الفيل : فملك تلك الأمة خرج من الدين قبله إلّا أتباعه.
وأمّا القرد : فالملوك على عهده يصيرون سفلا ، والسفل ملوكا تسجد لهم الملوك.
وأمّا العطشان : فالناس في زمانه يهربون من العلم ولا يلتفتون إليه.
وأمّا المرضى : ففقراء تلك الأمة يهدون لأغنيائهم.
وأمّا البرذون : فإنّهم يرون الأخذ من الولي والعدو ، ولا يرون للبذل موضعا.
وأمّا الخوابي : فأهل المسكنة تكون فيما بين أغنيائهم فلا تنال منهم خيرا.
وأمّا الكرباسة : فتقريره ممالك الأرض على طوائف متساوية في القدر ،
__________________
(١) الخف (بكسر الخاء وتشديد الفاء) : الجماعة القليلة.