من أن تكون هذه نيرانهم وعشيرتهم (١) ، قال : وإذا بأبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة ، فقال : يا لبيك أبا الفضل وعرف صوتي ، فداك أبي وأمّي ، ما لك؟ فقلت : ويلك هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عشرة آلاف ، فقال : بأبي أنت وأمي ، ما تأمرني؟ هل من حيلة؟ قلت : نعم ، تركب عجز البغلة هذه فأذهب بك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتقتلنّ ، قال أبو سفيان : وأنا والله أرى ذلك ، قال : ورجع بديل وحكيم ، ثم ركب خلفي ، ثم وجهت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا (٢)؟ فقلت : العباس قال : فذهب به ينظر ، فرأى أبا سفيان خلفي ، فقال : أبا سفيان ، عدو الله ، الحمد لله الذي أمكن ، لا عهد ولا عقد ، ثم خرج نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشتدّ ، وركضت البغلة حتى اجتمعنا جميعا على باب قبّة النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : فدخلت على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ودخل عمر على إثري ، فقال عمر : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله ، قد أمكن الله منه من غير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه ، قال : قلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، قال : ثم لزمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : والله لا يناجيه الليلة أحد دوني ، فلما أكثر عمر فيه قلت : مهلا يا عمر ، فإنه والله لو كان رجل من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنه أحد بني عبد مناف ، فقال عمر : مهلا يا أبا الفضل ، فو الله لإسلامك كان أحب إليّ من إسلام رجل من ولد الخطاب لو أسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اذهب فقد أجر بذلك ، فليبت عندك حتى تغدو به علينا إذا أصبحت» ، فلما أصبحت غدوت به ، فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله؟» قال : بلى ، قال : بأبي أنت ما أحلمك وأكرمك ، وأعظم عفوك ، قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع الله إلها لقد أغنى شيئا بعد ، قال : «يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟» قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك ، أما هذا فو الله إن في النفس منها شيء بعد.
فقال العبّاس : فقلت : ويحك ، اشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمّدا رسول الله ، قبل والله أن تقتل ، قال : فشهد شهادة الحقّ ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّدا رسول الله عبده ورسوله ، فقال العباس : يا رسول الله إنك قد عرفت أبا سفيان
__________________
(١) في الواقدي : وعسكرهم.
(٢) سقط في الكلام ، نستدركه من مغازي الواقدي لتستقيم العبارة : فإذا رأوني قالوا : عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بغلته ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب صلىاللهعليهوسلم ، فلما رآني قام فقال : من هذا؟.