مئزر صوف أبيض تلوح منه أنوار الرضى ، ففتحه وإذا فيه خرق الفقراء الشيوخ ، وكان في الثياب إزار عتيق ما يساوي خمسة قراطيس ، فقال : هذا يكون على جسدي ، أتقي به حر الوطيس ، فإن صاحبه كان من الأبدال ، وسادات الرجال ، وكان حبشيا أقام بجبل الرها يزرع قطعة زعفران يتقوت بها برهة من الزمان ، وكنت أصعد إلى زيارته ، وأعرض عليه المال ، فيمتنع فقلت له يوما : أنا أعرض عليك الدنيا ، فلا تقبل فأريد من أثرك ما أجعل في كفني ، فقال : أفعل وأعطاني هذا الإزار ، وقال : قد أحرمت فيه عشرين حجة ، وكان آخر كلامه : لا إله إلا الله ، ثم مات يوم الخميس رابع المحرم ، ودفن بالقلعة ، ثم نقل إلى تربته بالكلاسة في جمادى الأولى ، ولما كان بعد موته بأيام قدم رجل من أهل حران كان له عليه في كل سنة شقاق قطن لأولاده ، ومائتي درهم ، فجاء إلى قبره فجعل يبكي ويقول : كان لي عليه رسم ، فقال له بعض أصحابه : هو ذا يسمعك ، فإن أراد يعطيك فهو يعطيك ، فانكسر قلبه وخرج إلى السوق ، فالتقاه تاجر من أهل بلده وقال له : أنتظرك قد خبأت لك من الزكاة مائتي درهم ، وشقاق لأولادك ، وأعطاه إياها ، وقال : هذا رسم لك في كل سنة.
وحكى لي الفقيه محمد اليوناني ببعلبك في سنة خمس وأربعين وستمائة ، عند عودي من بغداد ، قال : حكى لي فقير صالح من جبل لبنان ، قال : لما مات الأشرف رأيته في المنام وعليه ثياب خضر ، وهو يطير بين السماء والأرض مع جماعة من الأولياء ، فقلت له : يا موسى ايش تعمل مع هؤلاء وأنت كنت تفعل في الدنيا وتصنع ، فالتفت إليّ وتبسم ، وقال الجسد الذي كان يفعل تلك الأفاعيل في الدنيا تركناه عندكم ، والروح التي كانت تحب هؤلاء قد صارت معهم.
وكان الأشرف لما أحس بوفاته في آخر سنة أربع وثلاثين وكنت أغشاه في مرضه فقلت له : استعد للقاء الله ، فما يضرك ، قال : لا والله