سنة إحدى وستين وأربعمائة
وفيها كانت ولاية معلى بن حيدرة بن منزو لدمشق
الأمير حصن الدولة معلى بن حيدرة بن منزو الكتامي ، ولي دمشق قهرا وغلبة وقسرا ، من غير تقليد في يوم الخميس الثامن من شوال سنة إحدى وستين وأربعمائة ، بحيل نمقها ومحالات اختلقها ولفقها ، وذكر أن التقليد بعد ذلك وافاه ، فبالغ في المصادرات حينئذ وارتكب من الظلم ومصادرة المستورين الأخيار ما هو مشهور ، ومن العيث والجور ما هو شائع بين الأنام مذكور ، ولم يلق أهل البلد من التعجرف والظلم والعسف بعد جيش بن الصمصامة (١) في ولايته ، مالقوه من ظلمه ، وسوء فعله وقاسوه من اعتدائه ولؤم أصله ، ولم تزل هذه أفعاله إلى أن خربت أعمالها ، وجلا عنها أهلها ، وهان عليهم مفارقة أملاكهم ، وسلوهم عن أوطانهم بما عانوه من ظلمه ، ولا بسوه من تعديه وغشمه ، وخلت الأماكن من قاطنيها ، والغوطة من فلاحيها ، وما برح لقاه الله على هذه القضية المنكرة ، والطريقة المكروهة إلى أجاب الله ـ وله الحمد والشكر ـ دعاء المظلومين ، ولقاه عاقبة الظالمين ، وحقق الأمل فيه بالراحة منه ، وأوقع بينه وبين العسكرية بدمشق الشحناء والبغضاء ، فخاف على نفسه الهلاك والبوار ، فاستشعر الوبال والدمار ، فلم يكن له إلا الهرب منهم ، والنجاة من فتكهم ، لأنهم عزموا على الايقاع به ، والنكاية فيه ، وقصد ناحية بانياس (٢) (٥٩ ظ) فحصل فيها في يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وستين وأربعمائة فأقام بها وعمر ما عمره من الحمام وغيره فيها ، ثم خرج منها في أوائل سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة خوفا من العسكر المصري أن يدركه فيها ، فيأخذه منها ، وحصل بثغر صور عند ابن أبي عقيل القاضي
__________________
(١) هو الامبراطور رومانوس دايجينوس ، خرج في محاولة لمنع التركمان من الانسياح المدمر في بلاد آسيا الصغرى ، وجاء هذا الخروج في مقدمات معركة منازكرد التي سيرد ذكرها.
(٢) بانياس الداخل ، في هضبة الجولان المحتلة ، من أهم المواقع ، كانت تعدّ مفتاحا لدمشق ، ونقطة دفاع أولى عنها ، بجوارها قلعة حصينة تعرف الآن بقلعة «النمرود» الصبيبة.