وشاع هذا الخبر بمصر ، فسر به المسلمون ، ودعوا للحاكم دعاء كبيرا على ما فعله ورفع أصحاب الأخبار إليه ما الناس من هذه الحال عليه ، ففرح بذلك وتقدم بهدم ما يكون في الأعمال من البيع والكنائس ، ثم حدث من الأمور والانكار لمثل هذه الأعمال والاشفاق على الجوامع والمساجد في سائر الجهات والأعمال من هدمها ، والقصد بمثل العمل لها ، فوقف الأمر في هذا العزم (١).
__________________
فيضجون ضجة عظيمة ويوقدون الفوانيس ، ويحملون هذه النار إلى عكا وصور وجميع بلد الفرنج حتى رومية والجزائر ، وقسطنطينية وغيرها تعظيما لها.
وحدثني جماعة من المجاورين بالقدس قالوا : لما فتح صلاح الدين رحمهالله القدس ، وجاء يوم الفصح جاء بنفسه فدخل القبة ، وقال : أريد أشاهد نزول النور ، فقال له البطرك تريد أن تضيع عليك وعلينا أموالا عظيمة لقعودك عندنا ، فإن أردت المال فقم ودعنا ، فقام لما بلغ باب القبة حتى صاحوا : نزل النور ، فقال بعض الحاضرين :
لقد زعم القسيس أن الهه |
|
ينزل نورا بكرة اليوم أو غد |
فإن كان نورا فهو نور ورحمة |
|
وإن كان نارا أحرقت كل معبدي |
يقربها القسيس من شعر ذقنه |
|
فإن لم تحرقها وإلا اقطعوا يدي |
وحدثني جماعة من أصحاب صلاح الدين رحمهالله أنه عزم لما أخذ الفرنج عكا على أن يخرب قمامة ويعفي آثارها ، وقال : يحضر البطرك والأقساء والنصارى ويحفر مكان القبر حتى يطلع الماء ، ويرمي التراب في البحر ، ويقول هذا تراب إلهكم لتنقطع أطماعهم عن زيارته ويستريح منهم ، فقال له أعيان دولته : إن إطماعهم لا تنقطع بهذا ، وليس مرادهم مكان القبر ، إنما هم يعتقدون في نفس القدس ، وقمامة عندهم أفضل من غيرها ، وربما أخربوا الجامع الذي بالقسطنطينية والمساجد التي في بلادهم ، وقتلوا من عندهم من المسلمين ، ثم إنهم إنما يصانعونك على القدس لأجل قمامة ، فإذا فعلت هذا زال ما يصالحونك لأجله ، ثم تبطل عليك أموال عظيمة ، فتنضر وهم لا ينضرون فسكت عن خرابها.
(١) أثارت سياسة الحاكم الدينية هذه جدلا كبيرا ويلاحظ مما قاله ابن القلانسي أنها وإن مورست أولا ضد غير المسلمين ، إلا أن ذلك كان مقدمة فقط ، حيث خشي المسلمون بعدها على أنفسهم ومساجدهم ، ويمكن أن نرى أعمال الحاكم من زاوية التمهيد لإعلان قيامة عظمى حسب مضمون المذهب الاسماعيلي ، والقيامة العظمى هي إلغاء لجميع الشرائع والأديان واحلال دين القيامة محلها ، وملاحظ أن الحاكم لاقى صعوبات جمة في سبيل عمله هذا وكان كل ما تمخض عن مجهوداته تأسيس عقيدة التوحيد أو الديانة الدرزية. انظر مادة الحاكم في كتابي مائة أوائل من تراثنا ، وكتابي أخبار القرامطة : ٤٠ ـ ٤٢ من مدخل الكتاب.