قتادة على الحكم عقب قتال مع غانم ، وظّل في مكة المكرمة إلى شهر ذي القعدة. ثم قام المظفّر صاحب اليمن بالسيطرة على مكة المكرمة ، وعيّن عليها مبارز الدين ابن برطاس (١). ولم يستقم له الأمر إذ استطاع أبو نمي وإدريس وجماز بن شيحة (٢) أمير المدينة استعادة مكة المكرمة من صاحب اليمن ، عقب حصار شديد وقتال عنيف وسط مكة المكرمة في سنة ٦٥٤ ه / ١٢٥٦ م.
أحكم أبو نمي سيطرته على الأمور في مكة المكرمة ، ويبدو أن إدريس كانت له تطلّعات لمشاركة أبي نمي في حكم البلاد ، فلما استبّد أبو نمي بالأمور أصابت إدريس خيبة أمل فتوجّه إلى أخيه راجح الذي قام بتقريب وجهات النظر بين إدريس وأبي نمي نتج عنها اشتراكهما في إدارة شؤون البلاد.
وفي سنة ٦٥٦ ه / ١٢٥٨ م استطاع أولاد حسن بن قتادة السيطرة على مكة المكرمة لمدة ستة أيام ، ولكن أبا نمي نجح في استعادتها منهم دون قتال.
وفي سنة ٦٦٩ ه / ١٢٧٠ م ، وعلى إثر مقتل ابن الشريف أبي نمي وقع الخلاف بينه وبين عمه إدريس فقام أبو نمي بالفرار إلى ينبع مستنجدا بصاحبها حيث جمع جيشا كبيرا قصد به مكة المكرمة عقب أربعين يوما من مقتل ابنه ، فالتقى بعّمه إدريس بخليص (٣) وتحاربا ، فطعن أبو نمي إدريس وألقاه عن جواده ، ونزل إليه وجزّ رأسه واستبّد بالإمرة في مكة المكرمة (٤). وقد
__________________
(١) علي بن الحسين بن برطاس ، الأمير مبارز الدين أمير مكة وليها للملك المظفّر صاحب اليمن ، وأخذها من الشريفين أبي نمي وإدريس بن قتادة في شوال سنة ٦٥٢ ه / ١٢٥٤ م. عاد إلى اليمن بعد أن هزمه الأشراف. أنظر عز الدين ابن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ٤٤ ـ ٤٦.
(٢) جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنّا الشريف عز الدين الحسيني أمير المدينة ثم أمير مكة ، أخذها من أبي نمي محمد ثم رحل عنها بعد ما حكمها في سنة ٦٨٧ ه / ١٢٨٨ م وعاد إلى المدينة واستمرّ بها إلي أن توفي سنة ٧٠٤ ه / ١٣٠٤ م. انظر ابن تغري بردي : الدليل الشافي ، ج ١ ، ص ٢٥٠. ويظهر أن أمراء مكة وأمراء المدينة يقوم بينهما تعاون إذا ما ألمّ بهم خطب أو تعدّى عليهم أحد ، وهذا مثال لما كان يحدث.
(٣) (خليص) حصن بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٣٨٧.
(٤) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٤ ، ص ١٦٠ ـ ١٦٣ ، ج ٣ ، ص ٤٣٥ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٣ ، ص ٧٤ ـ ٩٩ ؛ العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٠.