وعز الدين بن فهد من أن اسم طغتكين مكتوب على باب زبيد المعروف بباب القرتب بسبب عمارته له. ومن ألقابه المكتوبة عليه" سلطان الحرمين والهند واليمن" (١) وبذلك أصبح الحجاز في تلك الفترة ضمن أملاك وحكم صلاح الدين (٢).
ونلاحظ أن ما أورده ابن جبير مخالف تماما لما ذكره بعض المؤرخين حول قدومه إلى مكة في سنة ٥٧٩ ه / ١١٨٣ م فهو لم يشر إلى حدوث ما يعكّر صفو العلاقة بين سيف الإسلام وبين الأمير مكثر ولم يشر إلى أمره بضرب دنانير ودراهم باسم أخيه السلطان صلاح الدين ، وكل ما ذكره أن الخطبة كانت تقام بالدعاء للخليفة العباسي ، ثم الأمير مكثر ، ثم لصلاح الدين ، ونستنتج مما ذكره ابن جبير أن أهل مكة المكرمة يميلون كثيرا لصلاح الدين ، كما أنه لم يذكر إلغاء عبارة حي على خير العمل من الأذان ؛ بل كان مستمرا أثناء وجوده بمكة المكرمة حيث قال : " وللحرم أربعة أئمة سنّيين وإمام خامس لفرقة تسمّى الزيدية (٣) ، وأشراف أهل هذه البلد على مذهبهم ويزيدون في الأذان بحي على خير العمل" (٤).
ومما سبق نجد أنه قد حدث خلط لدى بعض المؤرخين حول مجيء سيف الإسلام إلى الحجاز في المرة الأولى والثانية ، حيث أدمجت في مرة واحدة.
فالأرجح أنه قصد مكة المكرمة مرتين : الأولى مرورا في طريقه إلى اليمن ، وهذه ذكرها ابن جبير وأيّد حدوثها البنداري والخزرجّي (٥) ، بينما الفاسي وابن فهد وعز الدين ابن فهد يوردون قدومه في المرتين بأسبابها (٦). أما
__________________
(١) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٥ ، ص ٦٤ ؛ عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ١ ، ص ٥٥٠.
(٢) السيوطي : حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ١٧.
(٣) (الزيدية) أتباع زيد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب جعلوا الإمامة في أولاد فاطمة رضياللهعنها وكانوا يرون جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل وبدأ مذهبهم في أول الأمر قريبا من أهل السنة ثم لم يلبث أن انحرف عن الصواب وأخذوا في الطعن في الصحابة وافترقوا فرقا كل فرقة تخالف الأخرى. انظر الشهرستاني : الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٥٥ ـ ١٥٧.
(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧٣ ، ٧٨.
(٥) البنداري : سنا البرق الشامي ، ص ١٩١ ؛ الخزرجي : العقود اللؤلؤية ، ج ١ ، ص ٣٨.
(٦) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٥ ، ص ٦٢ ـ ٦٤ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ، ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ؛ عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ١ ، ص ٥٤٨ ـ ٥٤٩.