صحبه في جزء من رحلته الوزير أبو عبد الله بن الحكيم (١). وعند ما قفل عائدا من المشرق حل ببلدة سبتة ولكن لم تطل مدة إقامته بها ، إذ كتب إليه رفيق رحلته الوزير أبو عبد الله يستدعيه لغرناطة فرحل إليها وقدم للخطبة والصلاة بجامعها. ولي قضاء الأنكحة واستقر به المقام بغرناطة ، وحظي فيها بمكانة عالية كان خلالها يلقي دروسه (٢). إلى أن قتل صديقه الوزير أبو عبد الله فتعرض للأذى وعزم على الرحيل من غرناطة (٣) بالرغم من أن سلطانها خيره بين المكوث بها أو تركها فاختار أن يلحق بمراكش ، وما لبث أن أصبح فيها محط الأنظار وقدم للصلاة والخطبة بجامعها العتيق ، وكان شغله الشاغل بها العلم والتدريس والتحقيق إلى أن استدعاه سلطان فاس فانتقل إليها وأصبح من خواص السلطان وجلسائه ، أثيرا لديه لعظم مكانته العلمية إلى أن توفي (٤).
وصف ابن رشيد برباطة الجأش فبينما هو على منبر المسجد الأعظم بغرناطة وظن أن المؤذن قد فرغ فقام يخطب فرفع المؤذن أذانه فاستعظم ذلك بعض الحاضرين وقاموا بإشعاره وتنبيهه وكلمه آخرون فلم يلتفت إلى أحد منهم وأكمل ما شرع فيه من الخطبة وأوضح للناس في هذه الخطبة أن الأذان الذي بعد الأول غير مشروع الوجوب وحضهم على طلب العلم ، وتلى قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٥) وذكر أحاديث تبين وجوب الإنصات وعدم اللغو عند خطبة الإمام (٦).
__________________
(١) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي الرندي الكاتب البليغ الأديب الشهير الذكر بالأندلس قدم غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر بعد رجوعه من رحلته للحج التي رافق فيها ابن رشيد فألحقه السلطان بخدمته ثم قلد الوزارة في عهد أبي عبد الله المخلوع ولقبه ذا الوزارتين وصار صاحب أمره. إلى أن توفي قتيلا بغرناطة يوم الفطر سنة ٧٠٨ ه / ١٣٠٨ م حيث انتهبت منازله وضاع ماله وكتبه ومثل به قتلته ، وطيف بأشلائه فضاع ولم يقبر ، وكانت ولادته برندة سنة ٦٦٠ ه / ١٢٦١ م. انظر المقري : نفح الطيب ، ج ٥ ، ص ٤٩٨ ـ ٥٠٧.
(٢) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٩ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.
(٣) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٤٢.
(٤) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٩ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
(٥) القرآن الكريم : سورة الحشر ، ٥٩ / ٧.
(٦) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨.