العساكر شيّعت جنازته ، وآلات الموسيقى معزوف بها وراءها ، والجند مصاحبة لها ، فإذا فرغوا من دفنها أطلقوا البنادق دفعة واحدة إشارة إلى أنّه مات بعزّ دولته وسلطانه.
خلقهم وأخلاقهم وشيء من عاداتهم
أمّا خلق المالطيين فالغالب عليهم السمرة والربعية في القوام وسواد الشعر والعيون وغلظ الحواجب وشدّة البنية ، وهم في الغالب أجمل من النساء ، وكثير من النساء هنا لهنّ شوارب أو عوارض أو عنافق (٧٤) ومنهنّ من تحلقها ، ومن الإفرنج من يستحبّ ذلك فيهن. وقد أسلفت لك زهوهن وعجبهن بما يتحلّين به من اللباس والحلي.
أمّا أخلاقهم فالغالب على أعيانهم لين الجانب والبشاشة ، فإذا سألت أحدا منهم على شيء أجابك وهو باشّ بك مستأنس إليك. ومن طبعهم جميعا الكدح ، والتدبير ، والاقتصاد فلا يتحمّلون ضنك العيش محافظة على عادات قديمة ضارّة. ولا يتجشّم أحدهم استخدام نفر اظهر (٧٥) لشأنه ورفعته ، ولا النفقات الزائدة في الأعياد والزواج ، ولا تتقلّد نساء الأغنياء منهم قلائد من الماس وغيره ، وإن الماجد منهم يزور صاحبه بدون احتفال ، والغني يذهب إلى السوق صباحا ويشتري مونة يومه ، وإن الماجدة تزور صاحبتها ولا تلهى إحداهما عن الشغل ، وذلك بأن تأخذ معها شيئا تشتغل به ، وهي التي تقوم بتدبير البيت ، فلا تكل أموره إلى الخادمة ، وأكبرهم من عنده خادم وخادمة. وقد شاهدت رئيس أطبّاء المستشفى غير مرّة ينصب الحبال على سطحه ، وينشر عليها الثياب المغسولة قطعة قطعة ، ومتى نشفت الثياب حلّوا الحبال ووضعوها في محل مصون ، ورأيت أيضا بعض القناصل ينصب رايته بيده ، والفقراء منهم لا يوقدون سراجا في الليالي المقمرة ، وأكثر الرجال يسلمون مصروفهم بيد نسائهم حتى إنّهم يحتاجون بعدها إلى أن يطلبوا منهنّ ثمن التبغ
__________________
(٧٤) عنافق : جمع عنفقة وهي : شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. (م).
(٧٥) في الطبعة الأولى : إظهارا ، وهي أقرب للصواب. (م).