ثم لما أخذت هذه العادة في العقم نتج عنها ذرور الرماد الأبيض على رؤوس خدمة الأشراف والعظماء ، وأصل هذه أيضا ، فيما قيل ، أن بعض المغنين كانوا يغنون في موسم صان جرمان بخارج باريس ، وبهم قرع ، فكانوا يبيّضون رؤوسهم ليضحكوا الناس ، ثم انتقلت هذه العادة كغيرها من العادات من العامّة إلى الخاصّة وذاع استعمالها في سنة ١٦١٤. وفي سنة ١٧٩٥ جعل عليها ضريبة ، وكانت حينئذ قد بلغت النهاية فجعل على كلّ رأس جيني ، ولم تزل إلى الآن. والحاصل أن أعظم الأسباب التي تبقي استعمال هذه العادات السخيفة إنما هو حصول النفع منها لخزنة الدولة ؛ فإنّه حيثما وجد الربح وجد السداد والرشاد ، ولو أن الديوان ضرب طسقا على اللحي والشوارب لما وسع الناس إلا أن يقولوا إن يد الرب على قلب الملك.
ومن عادة العامّة الملاكمة ويقال لها : «البوكس». وفي محفوظي أن رفاعة بك رحمهالله ذكرها في قلائد المفاخر بلفظة «البوكسة» وذلك إذا تخاصم اثنان أو تكاذبا فينزع كلّ منهما رداءه ، ويشمّر عن ذراعه ويصوّب إلى وجه قرنه جمع كفّه ، ثم يأخذان في اللكام حتى يغلب أحدهما ، وحينئذ ينهض الغالب المغلوب ، ويأخذ بيده ويشربان الشراب كالمتوادّين.
والملاكمة للعامّة بمنزلة المسايفة (١٨١) للعلية غير أن هذه محظورة يجب فيها الحدّ ، وتلك مسكوت عنها. وقد كانت سابقا بمنزلة الملهي في اجتماع الناس للتفرّج عليها. وفي أواخر القرن الماضي كانوا يتعلّمونها في المكاتب.
تهافتهم على الشهرة
ومن طبع الإنكليز عموما التهافت على الشهرة ، والنباهة بين أقرانهم بأي سبب كان ، ولا سيّما في أسباب المعارف والعلوم ، فإن من يعرف منهم مثلا بعض كلمات من اللغة العربية ، ومثلها من الفارسية أو التركية ، فإذا ألّف كتابا بلغته أدرج فيه كل شيء يعرفه من غيرها ليوهم الناس أنّه لغوي ، وما عليه أن يكتب تلك الألفاظ على
__________________
(١٨١) المسايفة : المبارزة بالسيف. (م).