مذكوراً في الخلق » .
وفي رواية أخرى عنه عليهالسلام
رواها زرارة بن أعين في تفسير جزء الآية ، يقول الباقر عليهالسلام : « كان شيئاً ولم يكن مذكوراً » .
فالانسان كان شيئاً في علم الله وتقديره ، وإن كان معدوماً بعد لم يوجد ، ثم صار
شيئاً مذكوراً بعد خلقه وتكوينه ، سواءً أنظرنا في ذلك إلى الطريق الاعجازي في
الخلق ، أو الطريق الفطري في التكوين المتسلسل المنظور إليه في قوله تعالىٰ
: ( لَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
(٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ
أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) )
التين / ٤ ـ ٥. وهذا أيضاً طريق إعجازي محض أن يخلق من هذه المادة الميتة إنساناً
متكاملاً في أحسن تقويم فكان ذا هيئة حسنة ، وصورة مترفة ، وروعة نادرة ، حتى عاد
مستوياً أيام شبابه ونضارته مثلاً ، ثم ردّ إلى الهرم والشيخوخة ، وورد مورد العجز
والكبر ، فتسافل في خلقه من قوة إلى ضعف ، ومن نضارة إلى إنهدام ، ومن جمال الفتوة
إلى تلاشي القوة ، فبعد أن كان ذا هيئة مشرقة وضاءة إستبدلها بالكبر والانحناء
والخور.
ولكن الشذرات الثمينة المتناثرة في
القرآن الكريم ، تقتضي الاضافة لهذا الفهم ـ وإن كان حقاً في واقعه ـ وتريد منا أن
نرتفع إلى المستوى الأعظم الذي يحدب على تبليغه القرآن بياناً إلهياً شمولياً لا
يغادر شيئاً ، وذلك : أن الانسان قد خلق بإرادة الله تعالى ولطف عنايته خلقاً
خاصاً فكان نموذجاً راقياً للتقويم والثبات والكمال ، وهذا كله يقتضي له ان يتصاعد
بروحه وتفكيره وتقدير إلى أعلى عليين ، وهو ما قدره له الله تعالى لو تمثل الشكر
لنعمه المتواترة ، اعتداداً بهذا العطاء الفياض في الخلق صورة وعلماً وإرادة
وتفكيراً واختياراً وإبداعاً وفلسفة ، فهو بهذا حريّ بأن يعرج بمستواه الخلقي في
كل وجوه الخلق الظاهرة والباطنة ، المعروفة لديه والمجهولة إلى حيث يصبح من أهل
السعادة والنّعيم السرمدي الخالد. ولكن هذا الانسان ـ إلا القليل من جنسه ـ قد إنحط
بنزعانه اللاإنسانية وسلوكه المنحرف إلى سلخ معنى الانسانية عن نفسه فردّ إلى أسفل
سافلين ، وهو نهاية ما يمكن أن يردّ به الله إنساناً بإنحطاطه إلى الدرجات السفلىٰ
المخصصة لأهل العذاب والشقاء والانهيار التام ، فكتب على نفسه
__________________