وهناك ظروف موضوعية أدت إلى نشأة علم النحو ، وذلك بعد بروز المشكلة اللغوية وإلحاحها بفعل عاملين :
الأول : عامل اجتماعى ، يتمثل فى الاختلاط العميق الذى نشأ بين القبائل العربية وبين غير العرب ممن فتح الله بلادهم للمسلمين ، هذا الاختلاط دعا إلى ضرورة اتخاذ لغة تعبر عنه وتقضى حاجاته ، فبدأت لذلك تنشأ مشكلة لغوية ذات شقين : الشق الأول : تعدد اللغات وتعدد الألسنة لكثرة البلاد المفتوحة ، والشق الثاني : اللحن الذى بدأ يتسرب إلى اللسان العربى (١).
والعامل الثاني : ديني ، ويتلخص فى أن العرب أرادوا أن ينشروا الإسلام بين الشعوب المفتوحة ، ومحور الإسلام القرآن ، وهو نص عربى ، ولا بد لكل مسلم ومسلمة أن يقرأ ولو شيئا يسيرا من القرآن وبصورة صحيحة ، وهذا يدعو إلى أن يتعلم العجم ولو المبادئ الأساسية للّغة العربية التى بها يستطيعون قراءة القرآن قراءة صحيحة.
والحق أن كلا العاملين أحدثا أثرا مناقضا للآخر ، فالعامل الاجتماعى يدعو إلى خلق لغة مشتركة للتفاهم بين العرب وبين أهل البلاد المفتوحة ، على حين أن العامل الديني يؤثر المحافظة على اللغة العربية كما هى ـ دونما شائبة ـ حتى يتثنى قراءة القرآن الكريم قراءة سليمة ، ومن هنا برزت المشكلة (٢).
وقد أدرك المسلمون المشكلة اللغوية ، ولذلك فكروا فى حل سريع لها ، يضمن ترابط المجتمع ووحدته من ناحية ، ومن ناحية أخرى يفرض على هذا المجتمع لغة القرآن (اللغة العربية) لغة رسمية.
ومن هنا ، بدأ علم النحو في الظهور للقيام بالمهمة السابقة ، وبدأ ذلك الظهور فى شبه خطوات تمهيدية ، كضبط النص القرآنى الذى قام به أبو الأسود الدؤلى كحل سريع للمشكلة اللغوية ، وكانت هذه الخطوة خطوة تمهيدية لنشأة القواعد اللغوية.
ثم جاءت الخطوة الثانية وهى التصدى المباشر للمشكلة اللغوية فصنّف أبو الأسود الدؤلي ـ أيضا ـ الحركات إلى مضمومات ومفتوحات ومكسورات ، منونة وغير
__________________
(١) ينظر قضايا ونصوص نحوية (دار الثقافة العربية) للدكتور على أبو المكارم ص ٣٥.
(٢) راجع السابق ص ٣٦ ، ٣٧.