إلى الأمصار المعروفة كـ «غرناطة ومالقة وإشبيلية» وتمتاز هذه البلاد بكثرة العمران ، مارس أهلها ـ كأى مجتمع مستقر ـ الصناعة والتجارة والزراعة ، وغيرها من الحرف.
وهذا يعنى أن كثرة الأصول التى كان ينتمى إليها المجتمع الأندلسى ، وكذلك اختلاف النزعات وتعددها لم تجعل منه مجتمعا مهلهلا ، وكما يقول الدكتور أحمد هيكل : «وليس معنى ما تقدم أن المجتمع الأندلسى كان مجتمعا مهلهلا بسبب اختلاف عناصره البشرية ، فالحق أنه برغم تعدد العناصر بين سكان الأندلس ـ كانت الروابط القوية تشد بعضهم إلى بعض فى أغلب الأحيان ، وتطبعهم بالطابع الأندلسى المتميز ، فقد كانت هناك دائما البيئة المشتركة والثقافة المشتركة ، وكانت هناك غالبا الحكومة الموحدة والسياسة الموحدة ، ثم كانت هناك بعد ذلك الحضارة الأندلسية الرائعة التى تصبغ جميع العناصر بصبغتها الواضحة ، تلك الصبغة التى لا يكاد يفترق فيها بربرى الأصل عن عربى الدم ، بل لا يكاد يتميز معها أسبانى الجدود من عربى الآباء» (١).
ويعلل الدكتور أحمد هيكل لهذا الترابط فيرجعه إلى غلبة العنصر العربى وارتباطه بسكان البلاد الأصلية عن طريق الزواج والمصاهرة لما كان الوافدون العرب في شكل جنود لا فى شكل أسر ، دفعهم ذلك إلى الارتباط مع سكان الجزيرة برباط المصاهرة.
وكان لهذا الاستقرار الاجتماعي فضلا فى ازدهار الحركة العلمية ، وبروز المبدعين من أهل الأندلس فى شتى العلوم ، وسنتعرض للحركة العلمية في النقطة التالية.
* * *
__________________
(١) ينظر الأدب الأندلسى للدكتور أحمد هيكل ص ٣٥.