وبعد هذا الرد المبني على المسلمات في هذا الفن ، عند الزجاج وغيره ، قال جامع العلوم ، واثقا مما قال : ((وإذا تتبعت فليكن هكذا)) (١).
٣ ـ مع أبي علي :
ذهب أبو علي إلى أن (عاليهم) بإسكان الياء ، من قوله تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ)(٢) ، مبتدأ ، و (ثياب سندس) خبره (٣).
وصح (عاليهم) أن يكون مبتدأ ، وهو مفرد ، وخبره جماعة ؛ لأنه اسم فاعل في موضع الجماعة.
وذهب جامع العلوم إلى أن (عاليهم) وصف ل (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ويرتفع (ثِيابُ سُندُسٍ) به.
ولا يجوز أن يرتفع (عاليهم) بالابتداء ، و (ثِيابُ سُندُسٍ) خبره ، كما قاله أبو علي في الحجة ؛ لكونه جاريا وصفا على (ولدان) وإن قال هو (٤) كقوله (سامِراً تَهْجُرُونَ) لم يصح ذلك (٥).
وذهب أيضا إلى أن (عالِيَهُمْ) بالنصب حال من (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أو من الهاء والميم في (عليهم).
أقول : إن جامع العلوم لم يتأمل في سياق هذه الآية ، وما أكتنفها من الآي ، فوقع في أوهام شتى ، وجلاء ذلك :
١ ـ إن (عالِيَهُمْ) بالنصب حال ، ولكن ليس من (عليهم) في : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) وإنما من الضمير العائد إلى المؤمنين الذين وصف الله نعمته عليهم في الآيات السابقة.
٢ ـ إن (عاليهم) بإسكان الياء لا يقع وصفا ل (ولدان مخلدون) كما قال به جامع العلوم ؛ بل هو ظرف بمعنى (فوق) ؛ ولذا بطل قوله : ((وهو لا يتعرف بالإضافة)) (٦) إذ عنده هو اسم فاعل معتمد ، على تقدير الانفصال.
٣ ـ إن مجيء اسم الفاعل المفرد بمعنى الجماعة ، قد ورد في أفصح الكلام ، قال الله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧) ، وقال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٧).
فجاء (سامر) بمعنى (سمّر) (٨) و (دابر) بمعنى (جميع) (٩).
وجاء في الشعر :
ألا إنّ جيراني العشيّة رائح |
|
دعتهم دواع من هوى ومنادح (١٠) |
__________________
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٢.
(٢) ٧٦ : سورة الإنسان ٢١.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨ ، والجواهر ٢ : ٥٣٢.
(٤) أي : أبو علي.
(٥) الجواهر ١ : ٥٣٢.
(٦) نفسه ٢ : ٥٣٢.
(٧) ٢٣ : سورة المؤمنون ٦٧.
(٨) ٦ : سورة الأنعام ٤٥.
(٩) التاج (سمر) ١٢ : ٧٢ ، ٧٣.
(١٠) نفسه (دبر) ١١ : ٢٦١.