فمن ذلك ، قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(١) ، فالهاء ، في بطونه ، يعود إلى الأنعام ، لأنه (أفعال) وقد جرى مجرى الآحاد. وقال تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)(٢) ، ولم يقل (فيها) لأن (أزواجا) (أفعال). وقال (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٣) ، أي : من مثل الأنداد. وقد قالوا : ثوب أسمال ، وحبل أرمام ، وملحفة أخلاق فجعلوها وصف المفرد ، وقد صغروها تصغير ، الآحاد ، فقالوا : أنعام ، وأنيعام. ولو كان حكمه حكم الجمع ، لردّ إلى الواحد ، ويصغّر الواحد ، ويجمع بالواو ، والنون ، أو بالألف ، والتاء ؛ لأن الجموع ، إذا صغّرت ، فهذا حكمها. كقولك ، في تصغير : فقراء : فقيرون. وفي تصغير : شعراء : شويعرون.
فأما الأسماء الثلاثية ، فهي عشرة أبنية. وكان حكم التركيب ، اقتضى اثني عشر بناءا ؛ لأن الفاء ، والعين ، واللام ، إذا حرّك الفاء ، والعين بحركتين متفقتين ، أو مختلفتين ، أو إذا سكّن العين ، جاء منه اثنا عشر بناءا. ألا ترى ، أنك تسكّن العين ، وتفتح الفاء ، أو تضمه ، أو تكسره ، فتقول : فعل ، مثل : فلس ، و : فعل ، مثل : قفل : وفعل ، مثل : كحل. أو تفتح العين ، أيضا : فتقول : فعل ، مثل : جبل ، أو تضمهما ، فتقول : فعل ، مثل : عنق. أو تكسرهما ، فتقول : فعل ، مثل : إبل. أو تفتح الفاء ، وتضم العين ، فتقول : فعل ، نحو : عضد. أو تفتح الفاء ، وتكسر العين ، فتقول : فعل ، ككبد ، وكتف. أو تكسر الفاء ، وتفتح العين ، [١٤٧ / أ] فتقول : فعل ، كضلع ، وقمع أو تضم الفاء ، وتفتح العين ، فتقول : فعل ، كصرد ، ونغر ، فهذه عشرة مستعملة.
فأما كسر الفاء ، وضم العين : فعل ، أو ضم الفاء ، وكسر العين : فعل ؛ فمطّرحتان في الأسماء ، غير مستعملتين. وقد جاء منه : دئل. ومنه نسبة أبي الأسود الدؤلي (٤) ، عند النحاة. وقال أصحاب كتب الأنساب ؛ إنما هو أبو الأسود الدّئلي ، بكسر الدال ، وفتح الهمزة. ودئل ؛ بضم الدال : قبيلة أخرى ، غير قبيلة أبي الأسود.
وأبنية الجموع ، على ثلاثة عشر بناءا : فعل ، فعل ، فعلة ، فعلة ، أفعل ، فعيل ، فعال ، فعول ، فعالة ، فعولة ، فعلان ، فعلان ، أفعال.
فأفعل ، وأفعال : بناءان للقليل.
وفعال ، وفعول : أخوان ، وهما للكثير. وفعال ، وفعول ، ومؤنثاهما ، يجريان مجراهما. والثلاثي يجيء أكثره ، على بناء هذه الأربعة. وفعول ، وفعالة : أخوان. وليست : أفعل ، وأفعال : أخوين ؛ لأن ما يجيء على بنية : فعال ، يجيء فيه ، بعينه كثيرا : فعول ، وفعلان. وفعلان ، أيضا للكثير. وما لم يخصّ القليل ، ولا الكثير منها ؛ فهو اسم للجمع ، ومنها : فعل ، وفعل : إلا أن يكون مقصورا من :
__________________
(١) ١٦ : سورة النحل ٦٦.
(٢) ٤٢ : سورة الشورى ١١.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٣.
(٤) هو : ظالم بن عمرو بن سفيان (ت ٦٩ ه). وهو واضع علم النحو بتعليم علي ، رضي الله عنه. وكان من تلامذته : يحيى بن يعمر ، وعنبسة الفيل ، وميمون الأقرن. أخبار النحويين البصريين ١٠ ـ ١٧ ، والخزانة ١ : ٨١.