الأفعال رجلا ، وما هو على وزن هذه الأفعال ؛ لا تصرفه معرفة ، للتعريف ، ومثال الفعل. وتصرفه نكرة ؛ لأن السبب الواحد لا يمنع الصرف.
[فإن قلت] : ولم قلتم : إن السبب الواحد لا يمنع الصرف؟.
[الجواب] : قلنا : لأنا لو قلنا : إنّ السبب الواحد يمنع الصرف ؛ لأدى ذلك إلى أن لا يصرف اسم ما بحال. لأنه ما من اسم إلا وفيه سبب من هذه الأسباب ، ولا سبيل إلى ذلك. فعلى ما ذكرناه : تقول : هذا تغلب ، وأحمد ، ورأيت تغلب ، وأحمد ، ومررت بتغلب ، وأحمد. فلا تصرفه في المعرفة ، وتصرفه في النكرة ، لأنه : ما من شيء في عالم الله إلا ويقع عليه اسم شيء. وشيء نكرة ، فعلم بهذا أنها أصل ، وأنّ المعرفة فرع عليها. كما أن الفعل فرع على الاسم ، ولوزن الفعل ؛ لأن وزن الفعل فرع على وزن الاسم ، كما أن الفعل فرع على الاسم ؛ فلاجتماع هذين السببين ، لا تصرفه. فأما في النكرة ، فتصرفه ، لزوال أحد السببين. والسبب الواحد لا يمنع الصرف. فأما (أفعل) إذا كان صفة ، وسمّيت به ، ثم نكّرته ، لم ينصرف عند سيبويه (١) ، وانصرف عند أبي الحسن (٢) ، وذلك [١٣٦ / أ] قولهم : آدم. تقول : مررت بآدم ، فلا تصرفه ؛ لوزن الفعل ، والتعريف. فإن قلت : وآدم آخر ، صرفه الأخفش ؛ لزوال التعريف. ولم يصرفه سيبويه ؛ لأن هذا الاسم كان في الأصل صفة. فلما سمي به ، ثم نكر ، عاد إلى الأصل. وأصله الصفة. ألا ترى أن الاسم الذي كان وصفا ، ثم جعل علما ، لم يزل أصل الصفة الذي كان فيه ، على كل حال. ألا ترى أنهم قالوا : العباس ، والحارث ، والحسن. وكان حقه أن لا يدخل فيه لام التعريف ، كما لا تدخل في : زيد ، وعمرو. ولكنه جاز دخول اللام عليه ؛ لأنه كان في الأصل ، صفة. فهو ، وإن نقل إلى العلمية ، بقي فيه رائحة الصفة. فكذا : آدم ، وأحمر ، إذا جعل علما ، بقي فيه رائحة الصفة. فإذا نكّر ، عاد إلى الأصل الذي هو الوصف.
ويقال : إن أبا عثمان ، قال لأبي الحسن (٣) : ما قولك في قولهم : مررت بنسوة أربع. هل تصرف (أربعا) أم لا؟. فقال : أصرفه. فقال له : هو صفة ، وهو على وزن (أفعل) فقال : إنه ، وإن كان صفة الآن ، فأصله الاسم. فقال أبو عثمان : ف (آدم) وإن كان الآن اسما ، فأصله صفة. فلم لم تعتبر الأصل ، هناك ، واعتبرته ، هنا؟ فسكت.
فإن سميت رجلا : جملا ، أو قلما ، أو شيئا آخر من هذا الوزن ، فإنك تصرفه معرفة ، ونكرة ؛ فإن هذا الوزن ، في الأغلب ، لا يكون في الفعل ، ولا يختص به ، بل يوجد في كلا القبيلين : في الاسم ، والفعل ، جميعا. فلا يكون الفعل أخص به من الاسم ؛ وإنما لم تصرفه ، لاجتماع هذين السببين. وذلك لأن بهذين السببين تقوى الشبهية بالفعل. والفعل لا يدخله الجر ، والتنوين ، فكذلك ، أيضا ، ما يشبهه ، وجب أن يكون بمثابته.
__________________
(١) الكتاب ٢ : ٩٩.
(٢) الجمل ٢ : ٢١١ ، ووافق أبا الحسن الأخفش ، المبرد في : المقتضب ٣ : ٣١٢.
(٣) أبو عثمان ، هو : المازني ، وأبو الحسن هو الأخفش.