أي : ما طبّنا جبن.
[وأما : ما] : فعلى تسعة أوجه : أربعة منها حروف ، وخمسة منها أسماء. فأما الأسماء : ف (ما) الاستفهام ، كقولك : ما عندك؟. أي : أيّ شيء عندك؟. قال الله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) (١). ف (ما) رفع بالابتداء. ويدريك : في موضع خبره [وبقي أربعة أوجه] :
[الأول] : أن يكون (ما) خبرية ، بمعنى (الذي). كقولك : أخذت ما عندك. أي : الذي عندك ، وهي لما لا يعقل ، ولمن يعقل.
[الثاني] : أن يكون (ما) للتعجب ، كقولك : ما أحسن زيدا. ف (ما) نكرة ، في تقدير : شيء ؛ أي : شيء أحسن زيدا. وهو مرفوع بالابتداء. وما بعده : خبره. وستراه مشروحا بعد ذا ، إن شاء الله.
[الثالث] : أن يكون (ما) موصوفة ، كقوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٢).
ف (ما) هاهنا ، بمنزلة شيء. وقوله : عتيد : صفته ؛ أي : هذا شيء عتيد. ولا يجوز أن يكون (ما) هاهنا ، بمعنى (الذي) لأنه إذا كان بمعنى (الذي) كان معرفة ، ويكون في (لدي) ضمير يعود إليه ، فينبغي أن يكون (عتيد) منصوبا ، حينئذ ، لأنه لا يكون (عتيد) نكرة ، صفة لمعرفة ؛ إذ المعرفة لا توصف بالنكرة ، فيجب ، حينئذ ، أن تنصبه على الحال.
[الرابع] : أن يكون (ما) كشيء ، ليس بعده خبر ، ولا صفة ، البتة ، كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٣). أي : فنعم ، شيئا ، هي.
وأما إذا كانت (ما) حرفا ، فعلى أربعة أوجه :
[الأول] : أنها إذا كان ما بعده في تقدير المصدر ، كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤) (٤) ؛ أي : سلام عليكم بصبركم. و (ما) هذه ، حرف عندنا ، خلافا للأخفش (٥) ؛ لأنه بمنزلة (أن) كما أنّ (أن) مع [١٢٦ / ب] الفعل بتأويل المصدر ، فكذا (ما). والذي زعمه الأخفش باطل ؛ لأنه لا يكون اسم موصول بغير عائد ، يعود عليه من صلته. وليس في قوله : (صبرتم) ، عائد ، يعود إلى (ما) لا ظاهرا ، ولا مضمرا ، [قال الشاعر] :
٣٠٦ ـ ... |
|
والكافون ما جرموا (٦) |
أي : جرمهم.
[الثاني] : أن يكون (ما) كافة ، تكفّ (إنّ) عن عملها. قال الله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ
__________________
(١) ٨٠ : سورة عبس ٣.
(٢) ٥٠ : سورة ق ٢٣.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٧١.
(٤) ١٣ : سورة الرعد ٢٤.
(٥) إذ قال باسميتها. ينظر : المغني ١ : ٣٠٥.
(٦) قطعة بيت من البسيط. لزياد بن حمل وتمامه :
الواسعون إذا ما جر غيرهم |
|
على العشيرة والكافون ما جرموا |
في : ديوان الحماسة : ٢ : ١٥٢.