بعد خلق [١٠٥ / ب] السماء ، دحا الأرض ، وكانت مخلوقة قبل. ولم يقل : بعد ذلك خلقها ، إنما قال : دحاها.
ومعنى (أو) الشك. تقول : قام زيد ، أو عمرو. ويكون تخييرا ، تقول : اضرب زيدا ، أو عمرا ، أي : أحدهما ، أو إباحة ، تقول : جالس الحسن ، أو ابن سيرين ، أي : أبحتك مجالسة هذا الضرب من الناس. وأين وقعت (أو) فهي لأحد الشيئين.
[قلت] : قسم (أو) ثلاثة أقسام. وله قسم رابع. وهو أن يكون للإبهام ، على المخاطب ، كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١٤٧) (١) ، أي : قد بلغت عدتهم ، إلى أن يقول حازرهم ، حين يحزرهم : مائة ألف أو يزيدون. وقول من قال : إنّ (أو) تأتي بمعنى الواو ، فليس بشيء ، وإنما هذا ، كما ذكرت لك. نعم ، لما كان يسمع السامع (أو) التي للإباحة ، فيجوز معها الإتيان بفعل ذلك الضرب ، استعمل (أو) في غير الإباحة ، بمنزلة التي للإباحة. فمن ذلك قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما)(٢) ، ولم يقل : فالله أولى به ، على ما يقتضيه أصل (أو) من أنه لأحدهما ، كما جاءت في الأخرى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً)(٣) ألا ترى أن التقدير : ومن يكسب أحد هذين ثم يرم به بريئا. ولم يقل : فالله أولى به لأنه قد جاءت : جالس الحسن أو ابن سيرين ، فيجوز له مجالستهما جميعا ، [وهذا](٤) مجازه. [قال الشاعر] :
٢٧٠ ـ وكان سيان ألا يسرحوا نعما |
|
أو يسرحوه بها ، واغبرت السوح (٥) |
وحق الكلام : سيان زيد وعمرو. ولا يقال : سيان زيد أو عمرو ، لكنه ، كما ذكرنا ف (أو) بمعنى الواو ، ليس بالسهل. والفرق بين التخيير ، والإباحة : أنه في التخيير ، لا يجوز الأتيان بالمأمور كله ، بخلاف الإباحة ، إذا قال : اضرب زيدا أو عمرا ، وخيره ، فيضربهما ، يكون عاصيا.
[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٦) ، ولا يجوز له أن يطيع أحدهما ، بل المحرّم عليه طاعتهما جميعا. ف (أو) بمعنى الواو؟!.
[قلت] : ليس الأمر كذلك ، إنما قوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، على تقدير : لا تطع أحد هذين ، فإن (أو) لأحد الشيئين ، أو الأشياء. ولو صرح بهذا الكلام ، وقال : ولا تطع أحد هذين [١٠٦ / أ] ، حرم عليه طاعتهما ، لأنه في النهي ضد ما في الأمر ، وفي الأمر له طاعة أحدهما.
__________________
(١) ٣٧ : سورة الصافات ١٤٧.
(٢) ٤ : سورة النساء ١٣٥.
(٣) ٤ : سورة النساء ١١٢.
(٤) الأصل غير واضح
(٥) البيت من البسيط ، لأبى ذؤيب الهذلي ، في : ديوان الهزليين ١ : ١٠٧ ، وفيه : وقال ما تغيهم : سيان سيركم وإن تقيموا به ، واغبرت السوح وابن يعيش ٢ : ٨٦ ، ٨ : ٩١ ، والخزانة ٤ : ٨٩ ، ٥ : ١٣٤ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١١ : ٧٠. وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٣٤٨.
(٦) ٧٦ : سورة الإنسان ٢٤.