فإذا قلت : ظننت زيدا أنّ أباه يقوم ، وفتحت (أنّ) ، كما فتح حمزة (١) : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ)(٢). ف (أنّ) مع الاسم ، والخبر : بدل من الاسم الذي قبله.
وكأنك قلت : ظننت أنّ أبا زيد قائم. وكأن حمزة قرأ : ولا تحسبنّ أنّ ما نملي للكافرين خير لأنفسهم. وخصومة الفارس (٣) قد قدمنا الانفصال عنها. وأنت ، إذا قلت : حسبت أنّ زيدا قائم ، ف (أنّ) مع الاسم ، والخبر ، لطول الكلام : يغني عن المفعول الثاني ، عند سيبويه (٤).
وعند الأخفش (٥) ، يحمل الكلام على إضمار مفعول آخر. وكأنه يقدر : ظننت قيامه في الوجود ، أو حاصلا. والقول قول سيبويه ، لأن طول الكلام ، في كثير من المواضع ، يغني عن أشياء يجب ذكرها ، لو لم يطل الكلام. منه باب : (لو لا) ، ومنه باب حضر اليوم القاضي امرأة. ومنه : عسى أن يقوم زيد.
[قال أبو الفتح] : والمتعدي إلى ثلاثة مفعولين ، نحو قولك : أعلم الله زيدا عمرا عاقلا. وأنبأ الله بشرا بكرا ضاحكا. وأرى الله أباك [٦٦ / أ] أخاك ذا مال. ومعنى الكلام : أعلم الله زيدا أنّ عمرا عاقل.
[قلت] : اعلم أنّ قولهم : أعلم ، وأرى : منقولان من (علم) المتعدي إلى مفعولين. وكذلك : أرى : منقول من (رأى) المتعدي إلى مفعولين. فلما جئت بالهمزة تعدى إلى ثلاثة مفاعيل. لأن شأن الهمزة الزيادة في المفعول. وذلك ، لأن الفعل ، إذا كان لازما ، وجئت بالهمزة ، تعدى إلى مفعول ك (جلس) وأجلست زيدا. وإذا كان متعديا إلى مفعول واحد ، ازداد بالهمزة مفعولا ثانيا.
وإذا كان متعديا إلى مفعولين ، ازداد بالهمزة مفعولا ثالثا.
فالهمزة نقيض الفعل الذي لم يسمّ فاعله. لأن ذلك الفعل ، ينقص من المفعول. والهمزة تزيد فيه. تقول : أعطيت زيدا درهما. ثم تقول : أعطي زيد درهما ، فينقص المفعولان ، ويصير مفعولا واحدا ، بخلاف الهمزة ، وليس وراء المفعول الثالث غاية. لا يوجد فعل يتعدى إلى أربعة مفاعيل ، بتة.
فأما (نبّأت) و (أنّبأت) : فإنه ، عند سيبويه (٦) ، من باب : أمرتك الخير. فإذا قلت : نبأتك زيدا ، فالتقدير : نبأتك عن زيد. وقد اختلفت تعديته في التنزيل. قال الله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ
__________________
(١) والمطوعي كذلك : ينظر : ص ٩٣ ، هامش (٣).
(٢) ٣ : سورة آل عمران ١٧٨.
(٣) يعني : أبا علي الفارسي ، ويقصد بالانفصال عن الخصومة ، قوله :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها |
|
... |
(٤) الكتاب ١ : ١٢٥ ، وفيه : (فأما ظننت أنه منطلق ، فاستغني بخبر أن).
(٥) الجمل ١ : ٣١١ ، وفيه : (فأما الأخفش فحجته أن هذه الأفعال قد تجري مجرى القسم ، ومفعولاتها مجرى جواب القسم).
(٦) الكتاب ١ : ٢٨ ، وفيه : (نبئت زيدا يقول ذاك ، أي : عن زيد).