ثم إن أبا مسلم ، دخل على المنصور يوما ، وقد أعد له عشرين نفرا بالسلاح فى مجلسه من وراء الستر ، فأخذ المنصور يعنفه ويعدد عليه ذنوبه ، فبقى أبو مسلم يعتذر ، وهو لا يقبل له عذرا ، وصفق المنصور بيده ، وكان ذلك إشارة بينه وبين من أحضرهم لقتل أبى مسلم فى الإذن فى قتله. فخرجوا إليه ، فقطعوه فى الحال ، ولف فى بساط ، وألقى رأسه إلى أصحابه مع ذهب عظيم ، فاشتغلوا بذلك.
ثم خرج على المنصور ، محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علىّ بن أبى طالب بالمدينة فى سنة خمس وأربعين ومائة. وكان خرج وهو راكب حمارا فى مائتين وخمسين رجلا ، ووثبوا على رباح أمير المدينة ، فسجنوه ، وبويع محمد بالخلافة طوعا وكرها. وقال : إنه خرج غضبا لله ورسوله. وبعث بعض أعوانه إلى مكة واليمن ، فملكوا ذلك ، وبعث بعضهم إلى الشام فلم يمكنوا من ذلك.
ولما بلغ المنصور خروجه ، ندب لقتاله ، ولى العهد عيسى بن موسى العباسى ، وقال:لا أبالى أيهما قتل الآخر ، يعنى : إن قتل عيسى محمدا فبها ونعمت ، وإن قتل محمد عيسى ، استراح منه ليعهد إلى ابنه المهدى. فسار عيسى فى أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى أشراف المدينة يستميلهم ويمنيهم ، فتفرق عن محمد بعض جمعه ، فأشير عليه بأن يلحق بمصر ليتقوى منها ، فأبى وحصن المدينة ، وعمق الخندق.
فلما قرب منه عيسى ، حارب ، فولى محمد ، وقال لمن معه : أنتم من مبايعتى فى حل ، فانسلوا عنه ، وبقى فى طائفة ، فبعث إليه عيسى يدعوه إلى الإنابة ، وبذل له الأمان ، فلم يقبل ، ثم إن عيسى أنذر أهل المدينة وخوفهم ، وناشدهم الله أياما ، فأبوا ، فزحف عليهم ، ولام محمد بن عبد الله ، ومحمد لا يرعوى.
فالتحم القتال ، فقتل محمد ، بعد أن قتل بيده من عسكر العراق سبعين نفرا. وحمل رأسه إلى المنصور. وكان معه حين قاتل ثلاثمائة مقاتل. وكان أسود ، ضخما ، فى حديثه تتمة وفيه فضيلة.
وذكر صاحب العقد ، كتابا كتبه المنصور إليه ، وجوابا إلى المنصور ، وجوابا من المنصور إليه عن جوابه. وقد رأيت أن أثبت ذلك لما فيه من بيان فضلهما.
قال صاحب العقد ، بعد أن ذكر شيئا من تحيل المنصور على معرفة مكان محمد بن عبد الله بن الحسن ، وأخيه إبراهيم ، وقبضه على أبيهما وغيره من آل أبى طالب بالمدينة ، فى سنة أربع وأربعين ومائة. فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق ، وخرج محمد بن عبد الله بالمدينة ، فكتب إليه أبو جعفر :