ولوصيته ، وكان يظن أنها لا تفى بدينه. وخبر ذلك مشهور فى صحيح البخارى ؛ لأن فيه عن عبد الله بن الزبير ، أن أباه دعاه يوم الجمل فقال : يا بنى ، إنى لا أرانى إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همى لدينى ، أفترى ديننا يبقى مالنا شيئا؟ ثم قال : يا بنى ، بع مالنا ، واقض ديننا ، وأوصى بالثلث ، ثم قال : فقتل الزبير ـ رضى الله عنه ـ ولم يدع دينارا ولا درهما ، إلا أربعين سهما بالغابة ، وأحد عشر دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر. وقال : وإنما كان دينه ، أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه ، فيقول الزبير : لا ، ولكنه سلف ، إنى أخشى عليه الضيعة.
قال عبد الله : فحسبت ما كان عليه من الدين ، فكان ألفى ألف ومائتى ألف. وكان الزبير ـ رضى الله عنه ـ اشترى الغابة بسبعين ألفا ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ، وقضى دين أبيه ، وأقام أربع سنين ينادى فى الموسم : ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ، ثم قسم بعد الأربع سنين ، بقية تركة الزبير بين ورثته ، ودفع الثلث. وكان للزبير ـ رضى الله عنه ـ أربع نسوة ، فأصاب كل امرأة ، ألف ألف ومائتا ألف ، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
هذا معنى ما فى البخارى ، وبعضه بلفظه ، وذلك من قوله : وكان للزبير أربع نسوة إلى آخره.
وفى البخارى (١١) ، عن هشام بن عروة بن الزبير قال : أقمنا سيف الزبير بيننا بثلاثة آلاف. انتهى.
وشهد الزبير ـ رضى الله عنه ـ يوم الجمل ، ثم انفصل عن المعركة بعد قليل ، إلى موضع يعرف بوادى السباع ، قريبا من البصرة ، فقتل به.
وذكر ابن عبد البر : أنه قتل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. قال : وفى ذلك اليوم كانت وقعة الجمل. انتهى.
وذكر ابن عبد البر : فى تاريخ وقعة الجمل ، ما يخالف هذا ، وهو أنها فى عاشر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ؛ لأنه قال فى ترجمة طلحة بن عبيد الله التيمى : وكانت وقعة الجمل ، لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين. انتهى.
وذكر غيره مثل ما ذكره فى وقعة الجمل ، فى عاشر جمادى الأولى ، وفى عاشر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ، والله أعلم بالصواب.
__________________
(١١) أخرجه البخارى فى الصحيح ، كتاب فرض الخمس ، حديث رقم (٢٨٩٧).