وهذه ولاية حميضة الرابعة التى أشرنا إليها ، ولم يزل حميضة مهجّجا والطلب عليه ، وأهل مكة خائفون من شره.
وذكر اليافعى : أنه قصد مكة بجيش يريد أخذها ، وقتل جماعة من أهل مكة والمجاورين بها ، فخرج إليه أخوه عطيفة. وكان قد استقر فى إمرة مكة بعد القبض على أخيه رميثة ، لاتهامه بممالأة حميضة ، ومع عطيفة أخوه عطّاف ، وآخر من إخوته ، وعسكر ضعيف ، فنصرهم الله عليه وكسروه ، ثم قتل بعد كسرته بأيام. انتهى.
وقد ذكر خبر مقتل حميضة ، صاحب نهاية الأرب ، وأفاد فى ذلك ما لم يفده غيره. وقد رأيت أن أذكر كلامه لذلك. قال فى أخبار سنة عشرين وسبعمائة : كان السلطان لما كان بمكة شرفها الله تعالى ، سأله المجاورون بمكة ومن بها من التجار ، أن يخلف عسكرا يمنع عز الدين حميضة بن أبى نمى إن هو قصد أهل مكة بسوء ، فجرد ممن كان معه الأمير شمس الدين (آق) سنقر ومعه مائة فارس. فأقام بمكة ، فلما عاد السلطان إلى قلعة الجبل ، جرد الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب ، وكان هو من الأمراء مقدمى الألوف ، ببعض عدته ، وجرد معه جماعة من المماليك السلطانية ، وكانت عدة من توجه مائة فارس.
وخرج من القاهرة فى يوم الأربعاء السادس من شهر ربيع الأول هذه السنة ، ووصل إلى مكة شرفها الله تعالى. وأقام بها ومنع أهلها من حمل السلاح ، السكّين فما فوقها ، وبعث إلى الأمير عز الدين حميضة ، وكان بقرب نخلة يستميله إلى الطاعة والتوجه إلى الأبواب السلطانية. فسأل رهينة عنده من الأمير ركن الدين يكون عند أهله ويحضر ، فأجاب الأمير ركن الدين إلى ذلك ، وجهز أحد أولاده ، وهو الأمير علىّ ، وجهز معه هدية لحميضة ، ولم يبق إلا أن يتوجه ، فأتاه فى ذلك اليوم رجل من الأعراب ، وأخبره بقتل حميضة ، فأنكر وقوع ذلك.
وظن ذلك مكيدة لأمر مّا ، لكنه توقف عن إرسال ولده حتى يتبين له الحال. فلما كان فى مساء ذلك اليوم ، طرق باب المعلاة بمكة ، ففتح ، فإذا مملوك اسمه أسندمر ، وهو أحد المماليك الثلاثة الذين كانوا قد التحقوا بحميضة من مماليك الأمراء كما تقدم ، وهو راكب حجرة حميضة التى تسمى جمعة ـ وكان السلطان قد طلبها من حميضة ، فشح بإرسالها ـ وأخبر أنه قتل حميضة ، اغتاله وهو نائم ، وجرد سيفه وإذا به أثر الدم ، وذلك فى جمادى الآخرة ، يعنى من سنة عشرين وسبعمائة ، وأرسل الأمير ركن الدين ولديه