رأينا منك ما دفع الشك عنا فيك ، وليس كلامى لك كلام حقد ولكن نصرة للطّاعة وكراهّية للخلاف ، وهو الذى دعانى إلى قتال من ترى من أهل خراسان ، فلمّا انهزم أصحاب عبدوية ولحقوا به قال لابن الفارسى : «ما هكذا كتب إلينا من كتب من إخواننا!» قال ابن الفارسى : «إنما قاتلك أصحابنا أهل الشام وإنما لقوا طلائعنا بعساكرهم لا تعلم إذا التقينا كيف يصنع الناس».
كان هذا يوم الجمعة ، فلمّا كان يوم الأحد عبأ عبدوية جنده ، وزحف وعبد الله بن يزيد بطساس ، فلمّا تواقفوا ، قال عبدوية لأصحابه : «تهيأوا لحملة واحدة تصدقوا فيها ، فإنّ فى عسكر عبد الله بن يزيد من لو قد نظر إلينا لانهزم باليأس» وهو على ثقة بما قال لهم فانهزم أصحاب عبد الله بن يزيد ، وصبر ناس فأخذ الطاعة من أهل خراسان وأهل الشام ، فلما رأوا أنه لا يثوب إليهم أحد انصرفوا إلى الخندق ، وجعل عبد الله بن يزيد ينادى : «إلىّ إلىّ!» فما أحد رجع إليه ، قال له بعض أصحابه : «إنك والله لو قتلت ها هنا وثب الناس على الفضل فيقتل» ولكن سر على طاويّة بمن معك حتى تسير إلى القيروان ، فتستأنف القتال ، فإن الحرب سجال وقد كانت أول وقعة فانصرف. وقتل هارون الأنصارى فى المعركة وأدركوا أبا الأسود الحمصى فى بعض الطريق ، وقد نزل عن فرسه ، فقتلوه. وسار الناس إلى القيروان وأتبعهم أصحاب عبدوية ، فأقاموا على القيروان إلى المغرب ، ثم انصرفوا إلى منية اخيل.
واجتمع إلى الفضل بنوا عمه وأصحابه فقالوا له : «ما رأيك؟» فقال لهم : «أشيروا علىّ فاختلفوا فى رأيهم ، فمنهم من أشار بالخروج إلى طرابلس والرحيل عن القيروان ، ومنهم من أشار بالقعود واضطرب على الفضل أمره ولم يصح له رأى ، فلمّا أصبح بعث المهلب بن يزيد إلى باب سالم ، وفرّق الناس على ما بقى من الأبواب ، وأقبل عبدوية والفضل فى دار الإمارة مع خالد بن يزيد ، من ولد أبى صفرة ، وعبد الله بن يزيد وجنى بن خداش وجماعة من أهل بيته ، فلما قرب عبدوية من الأبواب سد من كان فى المدينة من