الفرات جزر في أيام معاوية (٦٧) رضي الله عنه ، فرمى برمانة مثل البعير البارك ، فقال كعب : إنها من الجنة. فإن صدقوا فليست هي بجنة الخلد ولكنها من جنان الأرض.وعند القدماء أن المياه من الاستحالات ، فطعم كل ماء على طعم أرضه وتربته ؛ وأما نحن فلا ننكر قدرة الله تعالى على إحالة الشيء على ما يشاء كما تحول النقطة علقة والعلقة مضغة ، ثم كذلك حالا بعد حال إلى أن يفنيه كما يشاء وكما أنشأه. فسبحان من قدرته صالحة لكل شيء.
واختلفوا أيضا في ملوحة البحر : فزعم قوم أنه لما طال مكثه وألحت الشمس عليه بالإحراق صار مرا ملحا واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو بقية ما صفته الأرض من الرطوبة (٦٨) فغلظ لذلك. وزعم آخرون أن في البحر عروقا تغير ماء
__________________
(٦٧) معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت ٦٨٠) : مؤسس الدولة الأموية. أول خليفة أموي (٦٦١ ـ ٦٨٠). أحد دهاة العرب الأربعة : عمرو بن العاص ، المغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه ومعاوية. أسلم يوم فتح مكة. اشترك مع أخيه يزيد الذي كان واليا على الشام. خلفه معاوية زمن عمر بن الخطاب ، وأقره عثمان بن عفان في منصبه. أظهر كفاءة إدارية ، واستمال إليه أهل ولايته. خرج على علي بن أبي طالب ، وحاربه في موقعة صفين ٦٥٧ ، التي انتهت إلى اتفاق الطرفين على التحكيم ، مما أضعف موقف علي. فلما فشل التحكيم استأنفا القتال ، واستولى معاوية على مصر ، وأغار على العراق. في ٦٥٩ اتخذ لنفسه لقب خليفة في بيت المقدس ، وأخذ لنفسه البيعة من أهل الشام. أعد علي حملة كبيرة ضده ، لكنه اغتيل قبل ذلك. تنازل له الحسن بن علي عن الخلافة ، فاصبح أول خليفة أموي ٦٦١. اتخذ دمشق عاصمة له.ونجح في توحيد البلاد ، بفضل حنكته السياسية ، فقد تفادى المنازعات القبلية وصاهر قبيلة كلب العربية الجنوبية. ينسب إليه إنشاء ديوان البريد ، وديوان الخاتم ، واتخاذ مقصورة في الجامع. توسعت الدولة الإسلامية في عهده شرقا حتى بلاد ماوراء النهر ، وغربا في شمال أفريقيا. حارب الروم ، وأغار عليهم باستمرار برا وبحرا في حملات الصوائف التي كانت تجري كل صيف ، والشواتي التي كانت تجري كل شتاء. حاول فتح القسطنطينية ، لكنه فشل أمام أسوارها المنيعة. استخلف ابنه يزيدا قبل موته ، فكان أول من حول الخلافة الإسلامية إلى وراثية [البداية والنهاية (وفيات سنة ٦٠ ه) ؛ ومناهج السنة ٢ / ٢٠١ ـ ٢٢٦ ؛ وابن الأثير ٤ / ٢ ؛ والإصابة ٣ / ٤٣٣].
(٦٨) الرطوبة : مصطلح عام يشير الى بخار الماء في الغلاف الجوي (القاموس الجغرافي ، ص ٢١٩).