روي أن رجلا أعطى لخياط اسمه عمرو ثوبا ليخيطه له فقال له الخياط لأخيطنه بحيث لا تعلم أقباء هو أم غيره فقال له هذا الشاعر لئن فعلت ذلك لأقولن فيك شعرا لا يدرى أهجاء أم غيره ، فلما خاط له القباء قال الشاعر ما ذكر. ولا يفهم من كونه أحسن إليه في الخياطة أنه دعاء له لأنه جزاء الإحسان لاحتمال أن يكون أفسد الخياطة بالإبرة فدعا عليه أو هو توجيه باعتبار ما يفهم من صورة اللفظ لا بالنظر للقرينة وسمى الدعاءين مديحا وهجاء ؛ لأن المدعو له يستحق أن يمدح بموجب الدعاء والمدعو عليه بالعكس قال (السكاكي ومنه) أي من التوجيه (متشابهات القرآن باعتبار) وهو احتمال تلك المتشابهات في الجملة لوجهين مختلفين وتفارق تلك المتشابهات التوجيه باعتبار آخر وهو عدم استواء الاحتمالين يعنى لأن أحد المعنيين المتشابهين قريب وهو غير مراد والآخر بعيد وهو المراد بالقرينة وإنما قلنا إن المتشابهين منهما قريب وبعيد لما ذكر السكاكي نفسه من أن أكثر متشابهات القرآن من قبيل التورية والإيهام ومعلوم أن التورية التي هي الإيهام إنما تتصور في معنى قريب وبعيد كما تقدم ويجوز أن يكون وجه المفارقة بين التوجيه والمتشابهات هو أن المعنيين في المتشابهات لا يجب تضادهما بخلاف التوجيه كما تقدم. وفي هذا الكلام خبط لا يخفى ؛ لأنهم اشترطوا في التوجيه استواء المعنيين في القرب والبعد فكيف يصح أن تكون المتشابهات بوجه توجيها مع كون أحد المعنيين في المتشابهات بعيدا هو المراد كما في قوله تعالى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(١) و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) فالمعنى المجازي وهو البعيد منهما هو المراد كما تقدم وأيضا قد ذكر السكاكي أن المتشابهات على الإطلاق من التوجيه باعتبار وذكر بعد أن أكثرها له معنى قريب وبعيد وهو يقتضي أن الذي يكون توجيها من المتشابهات باعتبار هو البعض لا الكل. نعم إن صح أن بعض المتشابهات يحتمل الضدين على السواء كانت من التوجيه الصرف لا أنها منه باعتبار فقط وكذا إن صح أن التوجيه لا يشترط فيه استواء الاحتمالين وهو بعيد من كلامهم تأمل.
__________________
(١) الذاريات : ٤٧.
(٢) طه : ٥.