قيل : فلان طويل ، ولو قيل كذلك لم يكن كناية ، بل تصريحا بطوله الذي هو طول قامته ، فلما لم يصرح بطوله لإضافته إلى النجاد ، وأومأ إليه بتحمل الضمير كانت كناية مشوبة بالتصريح ولم تجعل تصريحا حقيقيا كما جعل قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١) تشبيها حقيقة كما تقدم لا استعارة مشوبة بالتشبيه ؛ لأن الموصوف في نفس الأمر بالطول ، والمقصود نسبة الطول إليه كما اقتضت قواعد العربية هو المضاف إليه ، وتحميل الصفة للضمير إنما هو لرعاية الأمر اللفظي ، ونعني بالأمر اللفظي هنا : ارتكاب ما حكمت به قواعد الإعراب من أن المشتق لا بد له من الضمير ، ولو لم يكن الضمير هو المقصود بالوصف في نفس الأمر ، وصح لنا أن نحمله ضمير غير الموصوف لقضاء ما اقتضته القواعد ؛ لأن موصوفه الحقيقي سببى صاحب الضمير فكأنه هو ، ولما كان الموصوف حقيقة هو النجاد صار بمنزلة طويل نجاده ، فكانت مشوبة بالتصريح لا تصريحا ، والدليل على أنا حملناه الضمير وهو فاعله لفظا لا أنه مضاف لفاعله لفظا بل لفاعله معنى أنا نقول هند طويلة النجاد بتأنيث الصفة نظرا لهند ، والزيدان طويلا النجاد بتثنيتها نظرا للزيدين ، والزيدون طوال النجاد بجمعها نظرا للزيدين فقد أنثنا الصفة وثنيناها وجمعناها لزوما ؛ لإسنادها إلى ضمير الموصوف فوجبت مطابقتها للموصوف ، ولو أخليناها عن ضمير الموصوف ما جرت عليه بالمطابقة ؛ لأن الصفة المسندة لغير ضمير ما جرت عليه لا تطابق ما قبلها ، وقد تقرر ذلك في محله ، ولذلك نفردها مذكرة حيث يكون ما أسندت إليه يقتضي فيها ذلك ، ولو كان الموصوف بها لفظا مؤنثا أو مثنى أو مجموعا فنقول : هند طويل نجادها فتذكر الصفة لا طويلة ؛ لأنك أسندتها إلى النجاد لا إلى ضمير هند ، والزيدان طويل نجادهما ، والزيدون طويل نجادهم بالإفراد بعد التثنية والجمع لإسنادها إلى المفرد وهو النجاد لا إلى ضمير المثنى والمجموع ، بخلاف ما إذا أسندتها لضمير ما قبلها فتجب مطابقتها ، ولذلك قلنا : إن فيها شوبا من التصريح ، وقد تقدم وجه جعلها كناية لا تصريحا محضا فإن قلت : قد قررت بما ذكر أن نحو : النجاد في نحو المثالين هو
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.