(و) كذا يقدر التشبيه حيث وجدت الاستعارة التبعية (في لام التعليل) وذلك (نحو) الاستعارة في قوله : تعالى (فَالْتَقَطَهُ)(١) أي : التقط موسى (آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ) أي ليكون (لَهُمْ) موسى (عَدُوًّا وَحَزَناً) للعداوة والحزن) أي يقدر في استعارة اللام في الآية أن العداوة والحزن الحاصلين (بعد الالتقاط) شبها (بعلته) أي بعلة الالتقاط (الغائية) وعلة الشيء الغائية هي ما يحمل على تحصيله ليحصل بعد حصوله ، وذلك كمحبة موسى لآل فرعون ، وتبنيهم له أي : اتخاذهم له ابنا ، فإنه إنما حملهم على ضمهم له وكفالتهم له بعد الالتقاط ما رجوه في موسى من أنه يحبهم ويكون ابنا لهم يفرحون به ، فلما كان الحاصل بعد فعلهم ضد ذلك من العداوة والحزن شبهت العداوة والحزن بالعلة الغائية المذكورة وهي المحبة والتبني ، إما على طريق التهكم إشارة إلى أن ذلك فعل الجاهل بالعواقب ، ويكون وجه الشبه منتزعا من التضاد بأن يجعل كالتماثل بواسطة التهكم ، وإما على طريق التشبيه الحقيقي ويكون وجه الشبه مطلق الترتب ، وإن كان في العلة الغائية تقديريا ، وفي العداوة والحزن حصوليا بواسطة تخييل أن الحاصل كمقدر الحصول ، وتخييل أن المقدر أقوى في الترتب لكونه أشهر وأكثر وقوعا باعتبار أصله ، ولما قرر تشبيه العداوة والحزن بالمحبة والتبني ـ فيما ذكر ـ استعيرت اللازم من أصلها وهي المحبة والتبني فاستعملت في العداوة والحزن ، وقد كان حقها أن تستعمل في المحبة والتبني اللذين هما العلة الغائية فالاستعارة الأصلية بين المحبة والتبني والعداوة والحزن اللذين حصولهما هو المجرور فكانت الاستعارة في اللام تبعا للاستعارة في المجرور ؛ لأن اللام لا تستقل فيكون ما اعتبر فيها تابعا للمجرور ، وهذا الطريق أعني جعل التشبيه للعداوة والحزن بالعلة الغائية فيما ذكر مأخوذ من كلام صاحب الكشاف ، وفرضه المصنف بناء على مذهبه في الاستعارة التصريحية ؛ لأن التبعية عنده من التصريحية وجعل متعلق معنى الحزن هو المجرور ، ليكون التشبيه فيه موافقة لصاحب المفتاح وذلك حيث قال ـ أعني صاحب الكشاف ـ : معنى التعليل في اللام وأراد على طريق المجاز ؛ لأنه لم تكن داعيتهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا ، ولكن المحبة
__________________
(١) القصص : ٨.