واعترف ، فلعمري لقد انفرد بجمع المحاسن فيما جمع هذا العلامة ، وجعل تدقيق نظره على جليل فكره علامة ، وحلّى جيد هذا الذهب بجواهر عقود تكميله المذهّب ، فأصبح تهذبه بدر العلوم محلّى ، وأضحى بما اشتمل عليه من الفوائد والزوائد لصدور الصدور محلّا ، فلو رآه ابن عساكر ترحل من بيته ، أو الذهبي لما أنفذ خزائن نقود علمه إلا إليه ، أو المزي لاختصر فيما أطال به واقتصر ، أو العسقلاني لانتصب جره الرفع شأنه وانتصر ، ولله دره من عالم أصبح بهذا العالم ندرة ، وفاضل يود الطالب لو قضى في الطواف حول بيته المحجوج عمره ، وتوشى لسدان بلاغته يفل الحديد وإن كان بصوغ الذهب ، ويقف المتأدبون عند آدابه القاعدان وما للأدب.
وقد وقفت حين وقفت على هذا التأليف بين دائين كل منهما الأخطر وأمرين أمرّين أيسرهما الأعسر ، إن لم أكتب عليه شيئا فقد أخللت بالواجب ، وإن كتبت فضحت نفسي بما أبديه من المصائب ، وما عسى أن أقول في وصفه البديع وذكر محاسنه الذي كل فضل منها للقلوب ربيع ، ولو لا ما يجب عليّ من القيام بواجب حقه وما لا يحسن من الإخلال بصداقته وصدقه لعزفت عنان القلم معترفا بالعجز والتقصير ، وكيف لا ولسان الوصف عن استقصاء ذكر بعض صفاته الحسنة قصير ، وقد أنشد لسان الحال :
لما وقفت على تقريبه وتهذب بتهذيبه |
|
وتدرب فدرب درب العلوم بتدريبه |
أكرم به مؤلفا قد فاق في تقريبه |
|
وقد حوى تكميله التهذب في تهذيبه |
يا عاذلي في حبه دع عنك ما تهذي به |
|
وانظر إلى تدريبه إن شئت أن تدري به |
أدام الله تعالى الامتاع بفوائده وفرائده ، وجمع له بين طريق المجد وتالده بمنه وكرمه.
وأنشدنا في يوم الخميس ثالث صفر سنة أربع وستين بالحرم الشريف قوله :