ثم لما توجهت
إلى ذي جبلة قالت له : أحشد أهل ذي جبلة ومن حولها. فلما اجتمعوا صبيحة اليوم
الثاني ، قالت : أشرف يا مولانا ، انظر هؤلاء القوم ، فلم يقع بصره إلا على رجل
يجر كبشا ، أو يحمل ظرفا مملوءا بالسمن أو العسل. فقالت له : العيش بين هؤلاء أصلح
، فانتقل الملك المكرم إلى ذي جبلة ، فاختط بها دار العز الثانية في ذي
بور. وكان حائطا فيه بستان وأشجار كثيرة ، وهو مطل على النهرين ، وعلى الدار
الأولى. وأمرت الملكة السيدة ببناء الدار الأولى مسجدا جامعا ، وهو المسجد الجامع
الثاني. وبه قبر الملكة السيدة رحمها الله تعالى ، إلى الآن. وكان بناء الدار ،
دار العز الثانية الكبيرة سنة إحدى وثمانين وأربع مئة .
ثم استخلف
المكرم على صنعاء ، عمران بن الفضل اليامي وأبا السعود بن أسعد بن شهاب . وفي هذه السنة دبرت الحرة الملكة قتل سعيد بن نجاح
الأحوال. وذلك أنها أمرت الحسين التبعي صاحب الشعر أن يكاتب سعيد الأحوال إلى زبيد ، ويقول له : إن المكرم
قد أصابه الفالج ، وعكف على الملذات ولم يبق أمره إلا بيد امرأته ، وأنت اليوم
أقوى ملوك اليمن ، فإن رأيت أن تطبق على ذي جبلة ، أنت من تهامة ، ونحن من الجبل ،
فتستريح منه ، وترجع إليكم البلاد بأسرها ، فافعل ، فدولتكم أحب إلى المسلمين من
هؤلاء الخوارج .
قال : فلما وقف
سعيد بن نجاح على كتاب حسين بن التبعي ، حسن موقع ذلك عنده ، واستخفه الفرح بذلك ، فخرج من زبيد ، يريد ذي جبلة في ثلاثين
ألف حربة ، وكان مسيره في يوم قد وعده التبعي فيه ، وقد كانت
__________________