الصوت. طيب النغمة ، حلو الإيراد ، غزير المحفوظات ، قائما بالوعظ والتفسير ، وطريقة الصوفية ، أتم قيام. وكان يتحدث بشيء من أحواله المستقبلات فيصدق. فكان ذلك من أقوى عدده في استمالة قلوب العالم.
وظهر أمره بساحل زبيد ، بقرية العنبرة ، وقرية واسط وقرية القضيب (١) ، والأهواب والمعتفى (٢) ، وساحل الغازة ، وكان ينتقل منها. وكانت عبرته لا ترقأ (٣) على ممر الأوقات. وكنت يومئذ منقطعا إليه ، ملازما له في أكثر الأوقات مدة سنة. ثم علم والدي أني تركت التفقه ولزمت طريقة النسك ، فجاء من بلده مسافرا حتى أخذني من عنده ، وأعادني إلى المدرسة بزبيد ، وكنت أزوره في كل شهر زورة. فلما استفحل أمره انقطعت عنه خوفا من أهل زبيد. ولم يزل من سنة إحدى وثلاثين يعظ الناس في البوادي ، فإذا دنا موسم مكة خرج حاجا على نجيب إلى سنة ست وثلاثين. ثم أطلقت الحرة أم فاتك بن منصور له ولإخوته ولأصهاره ، ثم لمن يلوذ به ، خراج أملاكهم ، فلم يمض بهم هنيهة (٤) حتى أثروا واتسعت بهم الحال ، وركبوا الخيل. فكانوا (٥) كما قال المتنبي :
فكأنما نتجت قياما تحتهم |
|
وكأنما ولدوا على صهواتها [٩٦](٦) |
ثم أتى بقوم من أهل الجبال حالفوه على النصرة ، فخرج إليهم سنة ثمان وثلاثين ، وجمع جموعا تبلغ أربعين ألفا ، وقصد بهم مدينة الكدراء ، فلقيه القائد إسحاق بن مرزوق (٧) السحرتي في قومه فهزموا أصحابه ، وقتلوا خلقا من جموعه ، وعفوا عن أكثرهم. وعاد ابن مهدي إلى الجبال فأقام بها
__________________
(١) في الأصل : القصب والتصحيح من صفة : ٥٠ ، ١٧٨.
(٢) المعمعى : هكذا وردت في الأصل.
(٣) في الأصل : لا ترقى.
(٤) في الأصل : هنية.
(٥) في الأصل : فكانا.
(٦) راجع حاشية : ٩٦ (كاي) والتعليق عليها.
(٧) في خ : مروان.