فى كتب الأقاليم والمدن تحت رعاية الدويلات الفارسية والتركية المستقلة بدءا بالصفارية والسامانية وغيرها ، ومن هنا تولدت ظاهرة جديدة هى ازدواجية لغة الكتابة فى الأدب التاريخى ومارس أصحاب اللسانين عملهم بأقلامهم فى مجال التاريخ.
والكتاب الذى بين أيدينا «تاريخ طبرستان» بلا شك حصاد تلك الظاهرة التى نمت فى أحضان التجربة الإقليمية الإسلامية حيث إن مؤلفه ابن اسفنديار (بهاء الدين محمد بن الحسن) لاحق العديد من المؤرخين المشارقة ، فهو من المؤرخين الذين شاهدوا القرنين الخامس والسادس الهجريين ، وبالتالى فقد تمكن من استيعاب تجارب من سبقوه من الجغرافيين ومؤرخى المدن والأقاليم السابقين الذين غذّوا بفكرهم ومنهجهم تلك التجربة من أمثال المدائنى (ت ٢١٥ أو ٢٢٢ / ٨٣٠ أو ٨٣٨ م) أو ابن طيفور (ت ٢٨٠ / ٨٩٣ م) فى العراق مرورا بالسلّامى (ق ٤ / ١٠ م) فى خراسان أو النرشخى (ق ٤ / ١٠ م) فيما وراء النهر ، ثم السهمى (ق ٥ / ١١ م) فى جرجان وغيرهم. فوصلت بالتالى التجربة إلى ابن اسفنديار فاستوعبها وأفاد منها من الناحية الموضوعية والمنهجية.
وقد استوقفتنى تجربة ابن اسفنديار فى كتاب «تاريخ طبرستان» مقارنة بالتجارب المنهجية مع غيره من مؤرخى المدن والأقاليم كما أن ولاية طبرستان لم تكن كغيرها من الولايات الفارسية بحكم موقعها وبيئتها الجغرافية وأسلوب فتحها الذى استمر بما يشبه فتح العصور أو المراحل التاريخية إذ بدأ الفتح زمن الخلفاء الراشدين ثم استكملت مراحله زمن الأمويين واستمرت المحاولات ما بين مد وجزر إلى أن جاء دور الخلافة العباسية التى أتمت جهود الفاتحين السابقين ، ثم ما ورد فى هذا الكتاب عن حركات التمرد والعصيان التى اشتعلت فى طبرستان ضد حكومة الخلافة ونوابها ، وما ورد فى الكتاب عن أهم الفرق المذهبية فى طبرستان مما لزم ابن اسفنديار أن يجمع مادة علمية غزيرة فتضمن كتابه وثائق قلما توفرت فى غير كتابه ، وتمكن من الحصول عليها بعد رحلات وجولات فى بلدان المشرق الإسلامى.
ولا يسعنى كمدرس للغة الفارسية وباحث فى الدراسات الآسيوية إلا الاعتراف بقيمة هذا العمل وفائدته العلمية آملا أن تتلوه دراسات وترجمات أخرى لكتب التراث الإسلامى.
والله من وراء القصد ،
د. أحمد محمد نادى