نزولنا على الماء بموضع يعرف بالعشراء ، على مرحلتين من عيذاب. وبهذا الموضع كثير من شجر العشر ، وهو شبيه بشجر الأترج ، لكن لا شوك له. وماء هذا الموضع ليس بخالص العذوبة ، وهو في بئر غير مطوية (١). وألفينا الرمل قد انهال عليها وغطى ماءها ، فرام الجمّالون حفرها واستخراج مائها فلم يقدروا على ذلك وبقيت القافلة لا ماء عندها. فأسرينا تلك الليلة ، وهي ليلة السبت الثاني من الشهر المذكور ، فنزلنا ضحوة على ماء الخبيب ، وهو بموضع بمرأى العين من عيذاب ، يستقي منه القوافل وأهل البلد ويعم الجميع ، وهي بئر كبيرة كأنها الجب الكبير.
فلما كان عشي يوم السبت دخلنا عيذاب ، وهي مدينة على ساحل بحر جدّة غير مسورة ، أكثر بيوتها الأخصاص ، وفيها الآن بناء مستحدث بالجص. وهي من أحفل مراسي الدنيا ، بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها وتقلع منها ، زائدا إلى مراكب الحجاج الصادرة والواردة. وهي في صحراء لا نبات فيها ، ولا يؤكل فيها شيء إلا مجلوب ، ولكن أهلها بسبب الحجاج تحت مرفق (٢) كثير ولا سيما مع الحاج ، لأن لهم على كل حمل طعاما يحملونه ضريبة معلومة خفيفة المؤونة ، بالإضافة إلى الوظائف المكوسية التي كانت قبل اليوم التي ذكرنا رفع صلاح الدين لها. ولهم أيضا من المرافق من الحجاج إكراء الجلاب منهم وهي المراكب. فيجتمع لهم من ذلك مال كثير في حملهم إلى جدة وردهم وقت انفضاضهم من أداء الفريضة. وما من أهلها ذوي اليسار إلا من له الجلبة والجلبتان ، فهي تعود عليهم برزق واسع. فسبحان قاسم الأرزاق على اختلاف أسبابها ، لا إله سواه.
وكان نزولنا فيها بدار تنسب لمونح أحد قوادها الحبشيين الذين تأثلوا (٣) بها الديار والرباع والجلاب. وفي بحر عيذاب مغاص على اللؤلؤ في جزائر على مقربة منها ، وأوان الغوص عليه في هذا التاريخ المقيدة فيه هذه الأحرف ، وهو شهر يونيه العجمي والشهر الذي يتلوه. ويستخرج منه جوهر نفيس ، له قيمة سنية ، يذهب الغائصون
__________________
(١) طوى البئر : بناها بالحجارة.
(٢) المرفق (جمعها مرافق) : كل ما ينتفع به.
(٣) تأثل بالمكان : أقام فيه واستقر.