تتقدم نحوهم ، حتى كان المصاف بين الفريقين في سنة ٨٠٣ ، وحمي بينهم وطيس القتال ، واشتد الأمر على المسلمين.
وفي ساعة العسرة هذه ، أشيع بين صفوف جند السلطان أن أحد الجراكسة في مصر نصب نفسه ملكا ، فخرج بعض الأمراء بالسلطان سرا نحو مصر ، ولما علم كبار الأمراء والقواد بذلك تبعوا سلطانهم ، فضعفت عندها العزائم ، وخارت القوى ، وتراجع المسلمون حتى دخلوا دمشق ، وأغلقوا أبوابها ، وعزموا على القتال حتى ينالوا إحدى الحسنيين.
ثم تقدم تيمور لنك إلى دمشق ، فأحكم حصارها ، وقاتلها قتالا شديدا ، لكنه لم يتمكن من دخول ، أو نقب شيء من أسوارها لشدة حصانتها ، وتفاني أهلها في الدفاع عن أنفسهم ، وبلدهم ؛ عندها أعمل تيمور لنك الخديعة ، فقد دعى أهل دمشق إلى طلب الأمان ، فطلبوه بعد خلاف بينهم ، وأرسلوا أحد القضاة إلى تيمور لنك ، فأغراه ملك التتار ، وأحسن له في الكلام ، وتلطف معه في القول ، وهو يكثر الذكر والتسبيح مكرا وخدعة ، ولله در القائل :
قد بلينا بأمير |
|
ظلم الناس وسبح |
فهو كالجزار فيهم |
|
يذكر الله ويذبح |
فرجع القاضي إلى دمشق ، وراح يسرد على الناس محاسن تيمور لنك ، وأنه رجل عاقل يريد الصلح ، حتى أقنع كثيرا من الناس بحسن نية الخبيث تيمور لنك ، ثم فتحت بعض أبواب دمشق ، وأخذ ملك التتار يشتط في طلب الأموال والذخائر حتى عدمت الأقوات ، وغلت الأسعار ، ووقع الناس في بلاء شديد.
ثم قسم تيمور لنك دمشق على أمرائه ، فراحوا يسومون أهلها سوء العذاب عند استخراج الأموال منهم ، حتى هلك بالعقوبة الشديدة القاتلة ، والجوع خلق لا يعلم عددهم إلا الله.