«لما قتل القائد سرور على الصفة المذكورة عظم الخطب واستيقظ الهول ونشبت الفتنة واشتعل ولاة زبيد وأمراؤها بتنازع زهرة الحياة عن تدبير الملك وحياطته ، فكانت الأحداث تتوالى والمصائب تتعاقب على ما حول زبيد ، ومن بها لاهون بشهوة الحكم وفتنة المال ، وذلك البلاء المبرم والويل الرامل ، والعدو اللّدود يحصي عليهم أنفاسهم ، ويراقب حركاتهم ويستطلع أنباءهم حتى إذا غمرتهم الحيرة وأعماهم الهوى وحق عليهم القول ، وآن أن يبتلعهم الفناء في ظلمات مهاويه وينظمهم التاريخ في فجائعه ومآسيه ، وثب عليهم بجنود متعطشة» الخ.
إلى آخر تعابير المؤلف الفنية وقد طرّز بها كتابه ووشى بها عمله هذا ، مما أضفى على التاريخ حلّة جديدة من التعبير الأدبي الذي أحيا به ما أندرس من رفات القوم وشخوصهم.
ولما كان مؤلفنا أدبيّ النزعة شاعري الهوى ، كان له عناية أخرى من البحث ، يفرد له زيادة ثانية في الثقافة وهي عنايته بتاريخ الأدب والحركة العلمية ، أثناء سرده لحوادث التاريخ ومجرياته فهو ما يكاد يفرغ من الحديث عن الوقائع حتى يلم إلمامة سريعة بحياة الأدب والشعر ، وكأنه متأثر بمعاصريه من أعلام الأدب العربي في مصر كطه حسين وأحمد أمين وغيرهما ، مثال ذلك قوله بعد الفراغ من الحديث عن الدولة الرسولية ووقائعها : «يجب أن نشير إلى نبذة قصيرة من الشعر ، لتكون مثالا للباحث في الأدب اليمني في جميع أدواره ، وقد أوردنا في كل دور من الأدوار التي كتبنا عنها ، أمثلة صالحة ، لمناسبات مختلفة» الخ.
وكان معاصره الأستاذ عبد الله بن محسن العزب قد ألمّ بالتاريخ الأدبي في الفصول المسلسلة على صفحات «الحكمة» فجاء مؤلفنا ليؤيد الخطوة ويعمّق البحث ، وإن كان حديثه هنا إستطرادا عاجلا.
ولم يكتف بالجانب الأدبي وحده والنّظرة الثقافية العامة للتاريخ