«حمورابي» (١) أول شريعة عرفها البشر ونظام سنة الإنسان ، واليمن تنظر إليه بعين الإعجاب لأنه فرع من دوحتها العظيمة ، وغصن من شجرتها الباسقة ، وذلك قبل أن ينشر بوذا (٢) تعاليمه على ضفاف الكانج بقرون.
نقل المؤرخ الشهير استرابون اليوناني أن الإسكندر الكبير كان قد اختط خطة قبل موته ، قصاراها أنه يريد نقل عاصمة ملكه من الهند إلى اليمن ، وذلك يدل على ما كان لهذه القطعة المباركة من مكانة في نفس ذلك الفاتح العظيم ، وقديما اطلق عليها الرومان والفرس واليونان اليمن السعيدة ، والجزيرة الخضراء ، ووصفها مؤرخوهم بما يعجز القلم عن وصفه.
عرفت اليمن وعرفت حضارتها الرائعة وعمرانها الزاخر ، وعلومها المنتجة ، وفنونها الجميلة ، قبل أن تعرف أي مدنية على وجه الكرة الأرضية ، ثم كانت مدنيات موغلة في القدم كالمدنية الكلدانية والآشورية والكنعانية والفرعونية ، والفينيقية ، وفي بعض بقاع المعمورة كالهند ، والصين ، وما تلك إلا قبسات نور إنبثق من هذه البلاد كما سيمر بك قريبا :
مشت بمنارهم في الأرض روما |
|
ومن أنوارهم قبست أثينا |
قال الكاتب العلامة الأمير شكيب أرسلان في تعليقاته على ابن خلدون ما لفظه : (كانت للعرب مدنية لا سيما في اليمن في غاية الإرتقاء والإزدهار في نحو الألف السنة قبل المسيح) ، ويذهب الأستاذ المستشرق «موريتز» الألماني إلى أن أصل إيجاد الكتابة بالحروف بعد الكتابة الهيروغلوفية كان في اليمن ، وهو يعتقد أن اليمانيين هم الذين اخترعوا الكتابة وليس الفينيقيون هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور ، وقد أفضى موريتز إليّ بأدلة على هذا الرأي وقال إن الفينقيين إنما بنوا كتاباتهم على الكتابة العربية اليمنية ، ثم
__________________
(١) من الاسرة الكنعانية التي ملكت بابل بعد الآشوريين حوالي سنة ٢٣٠٠ ق. م.
(٢) ظهر بوذا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، وقيل إنه كان عايشا في القرن السادس أو السابع قبل المسيح.