العامة والأسس الأولية للمقايسة والتمييز وذلك بالإمكان ، والمقايسة والاستحالة ، فمقارنة الماضي بالحاضر تعطينا قانون التشابه ، وقياس الأخبار على أصول العادة ، وطبيعة العمران يعلمنا قانون الإمكان والاستحالة.
ومن المؤسف ان هذا الفيلسوف الاجتماعي العظيم لم ينتفع المسلمون بمبتكراته في علم الاجتماع وفلسفة التاريخ لتأخر زمانه عن زمن النهضة العربية الإسلامية ، وظلت آثاره آنفا لم يمط عنها اللثام إلى أن شرع الغرب في النهوض.
أما من تقدمه من مؤرخي المسلمين فإنه بالرغم عن مقدرتهم العالية ، وملكتهم الكتابية ، ونزاهة مقاصدهم ، واتساع الفكر الإسلامي العربي وحريته في أيامهم ، نجدهم فيما نقلوه عن غيرهم قد تجنبوا النقد أو تهيبوه تقديسا للرواية أو لعلة أخرى ، وقليل منهم من أتى بشيء جديد ، أما ما يتعلق بأزمنتهم فلم يبعدوا عن الأسلوب المذكور أولا.
على أن بعضهم قد تأثر بالنزعات الدينية والعصبية القومية والمذاهب السياسية إلى أمد بعيد فظهرت مؤلفاتهم في ثوب شفاف ينم عما تحته من سلطان الهوى وحكم العاطفة.
كما أن بعضهم لم يتورع عن خدمة الأغراض السياسية والمقاصد الشخصية ، وجعل البحث التاريخي شبكة لصيده ، ومطية لنزوات روحه ، ولا سيما أيام كانت السياسة تركض وراء الألسنة القوية ، والأقلام السليطة لتستفيد من نصرتها ، وتعتز بشهرتها ، ليتم لها احتكار السلطة في اشخاص القائمين بها ، وصرف البلاد والعباد عن التفكير المثمر والعمل النافع ، إلى ما يعود بالمجد الأجوف والخير المزعوم ، وقد سجل التاريخ من أعمال الفريقين ما يندى منه الجبين.
وصفوة القول أن هذا الفن لم يوله أربابه الأكفاء حقه من العناية كسائر الفنون : «ولم يمحصوا أخبارهم الموروثة تمحيصا دقيقا ، ومع هذا فقد كان