إمام المؤرخين ، واضع علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون (١) رحمه الله أثناء خطبة كتابه المسمى بالعبر وديوان المبتدأ والخبر : «وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا اخبار الأيام وجمعوها وسطروها ، وفي صفحات الدفاتر أودعوها ، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها ، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها ، واقتفى تلك الآثار الكثير من بعدهم وأدوها إلينا كما سمعوها ، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ، ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا رفعوها ، فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل ، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل الخ».
وقال السيد العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله : «إن معرفة تاريخ الأمة هو الوسيلة الأولى للنهوض بها والصعود في مراقي الحياة بين الأمم ، وضرر الجهل والكذب فيه كضرر الجهل والكذب في بيان أحوال المريض وأعراض أمراضه للطبيب الذي يعالجه».
فلا بد لكاتب التاريخ إذا من تجري الحقائق ، وتمحيص الأخبار ، والابتعاد عن كل ما يشوب وجه الحقيقة من زيادة أو نقصان ومجانبة الهوى ونزعات النفوس ، وأن يحكم العقل لا العاطفة عملا بقوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) مع ملاحظة الحالة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية وكل ماله صلة بحياة الأمة ، وفي ذلك من المشاق والمتاعب ما لا يفي الكلام بوصفه ولا يدرك كنهه إلا من خاض لجج هذه الأبحاث : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ، قال بعض مؤرخي الأفرنج : «ليس التاريخ من العلوم السهلة فلأجل يوم واحد يصرف في التركيب ينبغي قضاء أعوام طويلة في التحليل».
(٢) وإذا تأملنا فيما دونه كبار المؤرخين القدماء كالطبري وابن الأثير
__________________
(١) هو المفكر الإسلامي العظيم له طريقة لم يسبق إليها في فلسفة الاجتماع والتاريخ.
(٢) السنة الثانية المجلد الثاني.