ثم سافر الشيخ إلى القدس الشريف فوافاه بها الشيخ أبو يعقوب رسول السلطان أبي الحسن المديني ، وقد أرسل لإقامة درس بالمدينة ووظيفة أخرى ، فاستشاروه فيما جاؤوا به ومن يتقدم فيه ، فأشار عليهم بأن لا يقدم عليّ أحد ، ففعلوا ذلك ، وحصل لي الخير ببركة الشيخ وإشارته رحمهالله.
ثم سافر أخي عليّ رحمهالله إلى مصر ، فلقي بها الشيخ أبا عبد الله الوادي آشي والشيخ أبا عبد الله بن الحداد ، فسألهما المساعدة في السعي لي في وظيفة التدريس بالمدرسة الشهابية وغيرها ، فطالبهما قاضي القضاة تقي الدين الأخنائي المالكي (١) بإثبات الأهلية ، فكتب بذلك محضرا وشهدا بما فيه.
فلما وقف عليه ابن الأثير كاتب السر ، قال : بعد أن تشهدا بذلك فأنا أفعل لكما ما تحبّان ، وجاءني في الموسم مرسوم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون رحمة الله عليه بالمدرسة المذكورة.
وكان الشيخ أبو عبد الله الوادي آشي (٢) من شيوخنا المباركين الذين صحبوا والدي ورعوه في ذريته ، وكان رحمهالله شيخا في الحديث قد أفنى عمره في السّماع ، ثم الإسماع ، وكان يحرص على إسماع الصغار ، ويأخذ خطوط الشيوخ لهم من غير أن يعلموا بذلك رجاء نشر العلم ، وأن يذكر فيدعى له ، وكان من أحسن الناس في علمه وأنسه ، وفوائده ، وفرائده ، وصلى بالناس صلاة التراويح في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم أسمع أحسن من جودة قراءته وجودة حفظه وترتيب مواقفه ، وكان من القراء المجوّدين توفي بمدينة تونس بعد الحج والزيارة في حدود خمسين وسبعمائة رحمهالله.
قلت : وقد ذكرت الشيخ أبا عبد الله الوادي آشي استطرادا في ذكر
__________________
(١) هو : تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي المصري ، المعروف بابن الأخنائي : ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة. تولى قضاء قضاة المالكية بمصر ، وكان من عدول القضاة وخيارهم ، توفي سنة خمسين وسبعمائة. ترجمته في : «الديباج المذهب» ٣٢٧ ، «الدرر الكامنة» ٣ / ٤٠٧ (١٠٨٠) ، «معجم الشيوخ» للذهبي ٢ / ٣٢٠ (٨٩١).
(٢) هو : محمد بن علي بن جابر الوادي آشي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٤٢ (٤٠٠٥) ، نقلا عن ابن فرحون.