ولما صاهرهم السراج انكف عنه الأذى قليلا ، وصار يخطب ويصلي من غير حكم ولا أمر ولا نهي.
وكان إذا عقد في البلد عقد نكاح بغير إذن علي بن سنان (١) وأمره ، طلب الفاعلين لذلك وعزرهم وسلط عليهم الشرفاء ، وكان المجاورون وأهل السنّة إذا أرادوا عقد نكاح أو فصل حكومة على مذهبهم ، يأتون والدي ليعقد لهم أو يصلح بينهم.
فيقول لهم : لا أفعل حتى يأتيني كتاب ابن سنان ، فيذهبوا إلى علي بن سنان فيعطونه ما جرت به عادته ، فيكتب لهم إلى والدي ما صورته : (يا أبا عبد الله اعقد نكاح فلان على فلانة) ، أو (اصلح بين فلان وفلان).
ولم يزل الأمر على ذلك حتى كانت أيام شيخ الخدام الحريري ، وقد تقدم ذكرها وتاريخها ، فكثر المجاورون وسألوا الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يكون لأهل السنّة حاكم يحكم بينهم ، ويحملهم على مذهبهم ، فجاء تقليد بذلك للقاضي سراج الدين وجاءته على ذلك خلعة وألف درهم ، وكان فيه معرفة ومداراة.
فقال : أنا لا أتولى حتى يحضر الأمير منصور (٢) بن جماز ، فأحضروه.
فقال له السراج : قد جاءني من السلطان مرسوم بكذا ، وأنا لا أقبل حتى تكون أنت المولي لي ، فإنك إن لم تكن معي لم يتم أمري ولا ينفذ حكمي.
فقال له : قد رضيت ، وأذنت فاحكم ولا تغير شيئا من أحكامنا ولا حكامنا.
فاستمر الحال على ذلك يحكم بين المجاورين وأهل السنّة ، وآل سنان يحكمون في بلادهم على جماعتهم وعلى من دعى إليهم من أهل السنّة ، فلا
__________________
(١) هو : علي بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة. ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٧٨ (٣٠٣٣) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) هو : منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم الحسيني.