رحمهالله توفي في سنة خمس عشرة وسبعمائة وخلفه صغيرا ، وكان
مولده في آخر سنة ثلاث عشرة. فقدّر أن الشيخ محمد بن داود تزوج والدته وكان شافعي المذهب ، فلما قدم الشيخ شمس
الدين ابن العجمي المدينة وأسس قواعد المذهب فيها أمر ابن داود وشمس الدين الخشبي
وشمس الدين الحليمي بالاشتغال عليه ، ففعلا وكثرت الحنفية بالمدينة ببركتهما ،
ورزق شمس الدين الخشبي أولادا نجباء قرة أعين نشؤوا على طريقة والدهم وفقهم الله
تعالى.
وخلف الشيخ
محمد بن داود ولد وليّ الدين ، ارتحل إلى دمشق صغيرا فلزم خدمة العلم العالم الشيخ
الإمام العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، ثم صحب ولده الإمام العلامة قاضي
القضاة تاج الدين فسعد بصحبتهما ورأس في دمشق ببركتهما.
وكان من
إخواننا الفقيه الأجل العالم العامل المتفنن بهاء الدين عمر بن محمد الهندي الحنفي
، كان من إخواننا الكبار ، وأصحابنا الأخيار ، كان منقطعا في الحرم الشريف
غالب نهاره للتدريس والإفادة ، محبا في الطلبة حريصا عليهم حتى إنه يبعث للطالب
إلى بيته إذا تأخر عن الإتيان ، وقرأ عليه بعض الطلبة «الكافية» لابن الحاجب في
بيته بالليل حتى أنهاها بحثا وفحصا ، وكان في علم الأصول والفقه والعربية إمام
زمانه ، مع حلم وأدب وعقل راجح وحسن خلق. وكان ـ رحمهالله تلحقه حدة في البحث ثم يرجع ويستغفر وينصف في المجلس ،
وكان كثيرا ما يقول : بالله لا تأخذ عليّ في البحث ، فما أراجعك إلا طلبا
للاستفادة. وكان عفيفا عن كل ما يدنس العرض ، لم أر أوفى منه في حفظ أصحابه في
المغيبة والحضرة.
خرج إلى مكة
حاجا في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، فرماه بعيره في المحاطب قريبا من مضيق المنحنى
فيبست أعضاؤه وبطلت أكثر حركاته ،
__________________