ولما توفي والده جمال الدين ـ رحمهالله ـ قام بخدمة أخيه تقي الدين أبي الحرم عبد الرحمن (١) ، وكفل أيضا ابن أخيه عبد العزيز (٢) بن يحيى بن العفيف ، فربّاهما جميعا واشتغلا بالعلم على الشيوخ ، وكان كل شيخ ذي علم يرد المدينة يحسن إليه ويلزمهما العكوف عليه ، وكان عبد العزيز حنبلي المذهب فبرع في عدة علوم وأتقنها وكان يحفظ أصولا متعددة وفنونا كثيرة على أقرانه وأبناء جنسه ، ثم اشتغل بمذهب الشافعي وأقبل على حفظ «المنهاج» للنووي من غير إعراض عن مذهبه ، بل ليجمع بين المذهبين.
ثم ارتحل إلى دمشق رغبة في لقاء الشيوخ والأخذ عنهم فتوفي بها ، وذلك في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، وكان مولده في رجب من سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة.
وأما أخوه فإنه لم يفارقه حتى مات ، وحصل علما وأفاد ودرّس وتعلق بأهداب طريقة والده ورئاسته ، ورزق أولادا نجباء أكبرهم الولد النجيب أبو حامد رباه عمه وانفرد بتربيته وتعليمه ، فلو عاش لحصل ببركته خيرا كثيرا ، وكان مولده في الحرم بمكة المشرفة سادس عشرين ذي العقدة سنة تسع وعشرين وسبعمائة.
وكانت محنة الشيخ عفيف الدين التي أصيب بها في دنياه من جهة الأمير ثابت (٣) بن جمار في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
وذلك أن الطواشي مختار البغدادي كان وصيا على أولاد العفيف بن مزروع ، وكان صديقا للشيخ عفيف الدين ملازما له معتقدا فيه ، فلما توفي الطواشي كان الوالي في المدينة يومئذ ثابت بن جماز نيابة عن أخيه ودي ، فطلب العفيف واتهمه أن للطواشي عنده مالا ، فحلف له أن ليس عنده شيء ، فلم يصدقه وأنزله إلى الجّبّ مع شمس الدين بن عبد العزيز لكونه كان من أخصّاء العفيف وأحبابه ، وطلبوا حاشية العفيف ، فمسكوا ريحان
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٤٧ (٢٥١٨) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٣٤٠ (٢٣٤١).
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٩٠ (٢٦٦٧).
(٣) هو : ثابت بن جماز بن شيحة الحسيني ، ناب في إمرة المدينة عن أخيه ودي ، مات مقتولا في شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٢٦ (٦٨٩).