عندهم إلا ذلك ، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها والابتداء بما بعدها ، وحتى قال جماعة منهم : متى سمعت (كلا) في سورةفاحكم بأنها مكية ؛ لأنه فيها معنى التهديد والوعيد ، وأكثر ما نزل ذلك بمكة ؛ لأن أكثر العتو كان بها.
(وزاد) لها (قوم) لما رأوا أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها معنى (ثانيا) يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها ، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى (فالكسائي) قال : تكون (بمعنى حقا) أيضا (وزعمها مكي اسما حينئذ كمرادفها) ، ولأنها تنون في قراءة بعضهم : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨٢] ، وغيره قال : اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل ومخالف للأصل ، ومحوج لتكلف دعوى علة لبنائها ، وخرج التنوين في الآية على أنه بدل من حرف الإطلاق المزيد في رؤوس الآي ، ثم إنه وصل بنية الوقف ، (وأبو حاتم) قال : تكون بمعنى (ألا) الاستفتاحية ، قال أبو حيان : ولم يتقدمه إلى ذلك أحد ، ووافقه على ذلك الزجاج وغيره ، (والنضر) ابن شميل قال : (تكون بمعنى إي) فتكون حرف تصديق ، وتستعمل مع القسم وخرج عليه قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) [المدثر : ٣٢] ، فقال : معناه : إي والقمر.
قال ابن هشام : وقول أبي حاتم عندي أولى من قول الكسائي والنضر ؛ لأنه أكثر اطرادا ، فإن قول النضر لا يتأتى في قوله : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ) [المؤمنون : ١٠٠] ، وقوله : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢] ؛ لأنها لو كانت فيهما بمعنى إي لكانت للوعد بالرجوع وللتصديق بالإدراك ، وقول الكسائي لا يتأتى في نحو : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) [المطففين : ١٨] ؛ لأن إن تكسر بعد ألا الاستفتاحية ، ولا تكسر بعد حقا ولا بعد ما كان بمعناها ، قال أبو حيان : وذهب الفراء وأبو عبد الرحمن اليزيدي ومحمد بن سعدان إلى أن كلا بمنزلة سوف ، قال : وهذا مذهب غريب.
كم
(كم) على وجهين (خبرية بمعنى كثير ، واستفهامية بمعنى أيّ عدد ، لا لقلة ولا كثرة ، ولا هي حرف ولا مركبة ، خلافا لزاعمي ذلك) ، بل هي اسم بسيط ، وضعت مبهمة تقبل قليل العدد وكثيره ، والدليل على اسميتها دخول حرف الجر عليها والإضافة إليها ، وعود الضمير عليها ، وذهب بعضهم فيما حكاه صاحب «البسيط» إلى أن الخبرية حرف للتكثير في مقابلة (رب) الدالة على التقليل ، وذهب الكسائي والفراء إلى أن (كم) بوجهيها مركبة من (كاف) التشبيه و (ما) الاستفهامية ، وحذفت ألفها كما تحذف مع سائر حروف الجر نحو :