عند ما طلبت من يحيى أفندى شيئا من ذلك اللحاء ، أفادنى بأنه كان قد وزع آخر جرعة منه ، وأحضر لى بدلا من اللحاء بعض مسحوق الجنتيانا ، التى فقدت مفعولها منذ زمن طويل. تزايدت الحمى التى كنت أعانى منها ، وأصبحت مصحوبة بقىء فى الصباح وفى المساء ، وعرق شديد ، وعلى امتداد شهر كامل كان حالى سيئا. ثبت أن الأدوية التى أخذتها كانت عديمة الجدوى ، وبعد أن بدأت فى تناول الأدوية الأخرى ، نظرا لعدم وجود اللحاء ، التى كنت أحسب أنها تفيد فى علاج حالتى ، ونظرا أيضا لأن يحيى أفندى لم يكن يزورنى إلا نادرا ، نظرا لكل ذلك تركت مرضى للطبيعة. بعد الشهر الأول ، كانت هناك راحة مدتها أسبوع ، لو تمكنت خلاله من تعاطى دواء اللحاء لتغلبت على اضطراباتى بلا أدنى شك ، لكن الحمى انحسرت لتعاودنى على نحو أشد مما كانت عليه ، وتحولت إلى نوع جديد من الحمى مع استمرار القىء ، وأصبح القىء مصحوبا بالإغماء فى بعض الأحيان وانتهى الأمر بأن خارت قواى تماما. وهنا أصبحت غير قادر على الحركة أو النهوض من فوق السجادة ، دون أن يساعدنى عبدى (خادمى) ، الذى تعود بحكم طبيعته على الاهتمام بالإبل والأشياء التى من هذا القبيل ، بدلا من الاهتمام بإنسان أو سيده المريض.
كنت فى ذلك الوقت قد فقدت كل أمل فى العودة إلى مصر ، ولذلك بدأت أعد نفسى للوفاة هنا فى الحجاز. سيطر علىّ الاكتئاب من خوف مفاده ، أنه لو قدر لنبأ وفاتى الوصول إلى إنجلترا ، فقد يؤدى ذلك إلى إدانة رحلتى بكاملها إلى الحجاز ، باعتبارها عملا غير مسئول قام به رجل غير حصيف ، أو بالأحرى مبشر شديد الحماسة ، يزاد على ذلك أنى لم يكن لدىّ كتب أو حتى جمعية يمكن أن تحول بينى وهذه الأفكار ، لم يكن بحوزتى سوى كتاب واحد ، مجرد نسخة من نسخ كتب الجيب ، لقصيدة جون ملتون ، ذلك الكتاب الذى سمح لى القبطان بوج ، عند ما كنت فى جدة ، أن آخذه من مكتبته فى الكبينة التى يقيم فيها ، وأنا هنا لا بد أن أعترف أن هذا الكتاب فى هذا الظرف بالذات كان يساوى رفا بكامله من الكتب الأخرى. كانت صاحبة المسكن الذى كنت أنزل فيه ، وهى امرأة عجوز ، وربما كانت مصرية الأصل ، كانت قد دأبت طوال مقامى فى ذلك السكن ، على الكلام معى مدة نصف ساعة كل مساء ، دون أن يراها أحد من شرفة الطابق العلوى ، وكان مزوّرى يزورنى بين الحين