اللحم بين
المسافرين على المركب ، أحصل منهم على الدعاء والتمنيات الطيبة ، الأمر الذى جعلهم
يحسنون معاملتى فى كل صغيرة وكبيرة ، واستطعت بذلك أيضا الحصول على عونهم
ومساعدتهم لى ، عند ما كنت أحتاج إلى رفع المظلة فى الصباح ، أو عند ما كنت أملأ
قربة الماء عند ما نكون على الشاطئ.
الملاحة هنا ، هى
من القبيل نفسه الذى سبق أن تناولته بالوصف فى رحلتى من سواكن إلى جدة ؛ كنا ندخل
ميناء مع حلول كل مساء ولم نكن نبحر مطلقا أثناء الليل ، ولكننا كنا نستأنف
إبحارنا مع طلوع النهار ، وعند ما كنا نعرف أنه ليس فى طريقنا خليج صغير أو ميناء
قريب يمكن أن نصله قبل غروب الشمس فى ظل الرياح السائدة ، كنا نتوقف فى بعض
الأحيان فى مرسى من المراسى عقب صلاة الظهر مباشرة. ومن سوء طالعنا أن قارب
السمبوك كان قد تم سحبه بسبب هياج البحر وارتفاع أمواجه فى رحلة من الرحلات
السابقة ، ومن هنا تعذر علينا النزول إلى الشاطئ ، اللهم إلا باستثناء الأماكن
التى كنا نجد فيها سفنا أخرى ، كنا نستقل قواربها ؛ نظرا لأننا عادة ما نرسوا فى
مياه عميقة. البحارة هنا كشفوا عن جبنهم الكبير ، مثلما فعل أندادهم فى سواكن فى
مناسبة سابقة ؛ كلما زاد هبوب الريح طوى البحارة الأشرعة ، يزاد على ذلك أن تخوف
البحارة من العواصف يجعلهم يلجأون إلى أى ميناء من الموانئ ، أضف إلى ذلك أننا لم
نكن نقطع فى اليوم الواحد مسافة تزيد على ما يتردد بين خمسة وعشرين ميلا وخمسة
وثلاثين. لم يكن على ظهر المركب من الماء شىء سوى برميل خشبى كبير ، ولم يكن به من
الماء سوى ما يكفى البحارة مدة ثلاثة أيام فقط. كان لكل بحار من البحارة قربة خاصة
به ، وعند ما كنا نصل إلى مسقى من المساقى ، كان البدو يجيئون إلينا ويبيعون لنا
الماء الذى فى قرابهم. فى بعض الأحيان يحدث أن ترسو السفينة فى خليج من الخلجان ،
يكون بعيدا عن آبار الماء ، أو قد يمنع البحارة من مغادرة المركب بسبب الريح
المعاكسة ؛ الأمر الذى يجعل طاقم المركب يعانى معاناة شديدة من العطش لافتقارهم
الماء.