ذلك. والقوم كما علمت أهل ولع بكل جديد وبما يتحدث به عنهم وما يقال في عالم الاجتماع. فنشرت في هاته الرسالة بعضا مما قيدته أو عاينته من خصب الأرض الذي يملؤ العين إعجابا وابتهاجا قبل كل شيء ودرجة الهواء وكثرة العمران ووفرة المعارف وتهذيب الأخلاق ونمو الثروة ومواصلة العمل ، وألمعت في كل مناسبة إلى طرف من غابر القيروان وحاضرها حتى يكون الكلام شاملا لمبدأ خط السفر ومنتهاه ، وربما كان المطالع في حاجة إلى العلم بالقيروان والحديث عنها. والقيروان ملأت الأسماع قديما وحديثا بالاعتبار والآثار. وسأقص عليك ذكر اعتناء الملوك والعلماء بزيارتها. وفي عهد الأغالبة وصل إليها وفد سلطان فرانسا شارلمان ، وفي أواخر القرن الثالث عشر أتاها قنصل الأنكلير بالجزاير ١٢٩٣ ، وأحد علماء الآثار من فرنسا ١٢٩٤ ، والمسيو كسلان القنصل الفرنساوي الباحث عن الآثار عام ١٢٩٨ قبيل الحماية. وما بين هذين الزمنين من الأحد عشر قرنا أمر لا يحصى عدّه. وها هي اليوم في دور الحماية قد ازدادت سمعتها وعظم احترامها وقدرها الزائرون بالمشاهدة حق قدرها ، لذلك أصبحت وجهة سكان القارات القديمة والجديدة ، يحجونها فرادى وجماعات نساء ورجالا. ولا يقل عددهم في السنة عن أربعة آلاف ، يستعظمون جامعها الذي مضى عليه فوق الأحد عشر قرنا ، ويستغربون تخريم ألواح منبره الجاثم من أواسط القرن الثالث على يمين المحراب المقامة جدرانه الداخلية من أواسط القرن الأول ، ويستحسنون شكل ماجلها الأغلبي الكثير الأضلاع المقارن للمنبر في تاريخ نشأته ، ويتمتعون بصفاء أديم سمائها وطيب هوائها وقوة كهرباء شمسها وبريق نجومها ، ويقتنون من مصنوعات بسطها وصور بناآتها ، ويركبون جمالها ويسرون بجمالها. وكثيرا ما يسألون عن كمية سكانها ودرجة ثروتها ومصنوعاتها ومجمل تاريخها وعوائدها ونظام إدارتها. وقد جعلت عنوان هاته الرحلة «البرنس في باريز» وسبب التسمية ظاهر ، والكلام بالأواخر. والحديث على القيروان متى عنّت المناسبة هو طرف من تلك الجملة ، وقوس من دائرة الرحلة ، وتقدمت إلى من افتخرت به المملكة التونسية على الأقطار «مثلما سمت مملكة الأندلس وهي في دور شبابها وزهرة علومها منذ ألف عام بقاضيها وعالمها وخطيبها المنذر بن سعيد في العقد الرابع من القرن الرابع في أيام الملك الناصر الأموي» ، فأصبح القطر التونسي في ظل مولانا الأمير