الحارة والباردة وتباين طبايعهم. ولاختلاف الطقس ما بين جنوب المملكة وشمالها لاقيت بردا لم يكف فيه برنس الصيف في غابات أركون في الشمال الشرقي من باريز وحوالي فاراين وفيردان. ولشدة الحر في طولوز الذي بلغت درجته فيها ٢٣ ـ خفت ثياب المصيف. وفي أول شهر جويليه كانت الحرارة بالجهات الجنوبية مثل طولوز ومونبيليي ونيم وآرل ومرسيليا على التقريب توازي أول شهر مايه عندنا وبحيث يكون الفرق نحو شهرين بيننا وبينهم. وبينما درجة الحرارة هناك ٢٢ بلغت في القيروان بأوايل جويليه ما يزيد على ٤٤ درجة من ميزان صانتكراد. لذلك حصل لي أرق وقلق من الحر بمجرد رجوعي في أوايل جويلية من فرانسا إلى القيروان ، ولم أجد له موجبا غير التنقل السريع من البرد إلى الحر مثل الداخل إلى الحمام على غير صفة تدريجية أو الخارج منه كذلك. والسير من قطر إلى قطر فيما مضى لا يضر بالمنتقل من البرد إلى الحر والعكس لبطء السير والتدرج في الأهوية المختلفة. أما الآن فبسرعة المواصلة صارت الأبدان تتضرر باختلاف طقس الأقطار المتباعدة جدا. وجدت لاختلاف الطقس فرقا خفيفا بين سكان الجنوب والشمال حتى كأنهم في باطن الأمر سكان قطرين أو أبناء عنصرين. ويظهر ذلك في مجاري الحديث والتنكيت الخفي يتوفق لإدراكه الناقد والمهتم بحفظ الإشارات في غضون الكلام من سكان إحدى الجهتين في مقام التعريف والإخبار عن سكان الجهة الأخرى. وأبناء هاته المملكة كما علمت في فصول باريز ، لهم براعة في صوغ الكلام وسبكه في قوالب تناسب مرادهم وتودي مقاصدهم إلى السامع ، بأسلوب سهل ترتاح إليه النفوس وتتلقاه الآذان بالقبول إلى أن يستوفي المتكلم أغراضه بالحجج اللايقة بمقام الخطابة وينتقل في المواضيع التي يرومها بالتماس مناسبات حتى تكون أنواع الكلام آخذة برقاب بعضها بعضا. فلا يتخلص من التصديق بها ويميز غثها عن سمينها ويرصد مكامن النكات التي تتخللها إلّا من وفر إلقاء السمع ، واستعان على التمييز بسلامة الطبع. وربما زهدوا فيمن لم يحفل أو لا يفهم هاتيك المغازي والمرامي ، والحق في جانبهم إذ كل متكلم يقول أنا عبد من يفهم كلامي. قال بعض المؤرخين إن بعض البلدان الجنوبية من فرانسا مشهورة في تاريخ الأندلس حيث كانت مواطن لكثير من الوقائع الحربية بين العرب والإفرنج ، فمنها نربونة واسمها في تاريخ العرب أربونة.