الساعات القيام بالليل ، وجعله موكولا إلى رأيه ، وكان النبي (ص) وطائفة من المؤمنين معه يقومون على هذه المقادير ، وشقّ ذلك عليهم ، فكان الرجل منهم لا يدري كم صلّى ، وكم بقي من الليل ، فكان يقوم الليل كلّه مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب حتى خفّف الله عنهم بآخر السورة» (١) الذي يشير القرآن فيه إشارة واضحة لواحد من أسباب تعدّد الخيارات.
٢ ـ ثم أنّ وضع المكلّف أمام خيارات متعدّدة تختلف في ثقلها على النفس وفضلها عند الله ، لا فرق بين درجة التكليف هل هي الوجوب أو الندب والاستحباب ، يكشف عن مدى إيمانه وإرادته حين يختار بنفسه أيّها شاء ، وفي ذلك نوع من الامتحان الإلهي للمؤمنين.
٣ ـ كما نهتدي من ذلك بالنسبة لغير النبي (ص) إلى استحباب قيام الليل لا وجوبه كحكم شرعي ، وقد اعتبر الفقهاء الاختلاف في النصوص ضيقا وسعة ، وكثرة وقلّة ، دليلا على الاستحباب ، وذلك أنّ الفرض الواجب يكون محدّدا.
وقيام الليل ـ كما تقدّمت الإشارة ـ لا ينحصر في عدد من الركعات والأذكار وحسب ، بل هو برنامج متكامل للجسم والروح والعقل ، وذلك بما يتضمّنه من صلاة ومناجاة وتلاوة للقرآن ، يعرج من خلالها القائمون بالليل إلى آفاق الإيمان والمعرفة ، وبالذات منها ترتيل القرآن الذي يحقّق تسامي الروح وانفتاح العقل معا ، ممّا يسبّب في آن واحد عروج الإنسان إلى مراتب الكمال.
وإنّ قراءة القرآن وتدبّر معانيه روح قيام الليل ، فهو عهد الله للإنسان ، وحبلة الممدود من السماء إلى الأرض ، ونهجه الذي يداوي به أدواءه ويصل إلى السعادة عبره ، فمنه يستمدّ روح التوحيد والتوكل والصبر ، ومن آياته يستلهم بصائر الهدى
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٧.