قيل الهلع شدّة الحرص ، وقلّة الصبر ، وقيل : الهلوع الضجور (١) ، وفي البصائر : أي البخل والحرص ، أو الخوف وقلق القلب ، واضطرابه من كلّ صوت وحدوث أمر (٢) ، والذي يبدو أنّ أصل الهلع هو الخوف ، فالهلوع يخاف عند الشر فيجزع ، ويخاف عند الخير من نفاذه وانتقاله إلى غيره من يديه فيمنع ، وهي الصفة التي تفقد الإنسان توازنه وثباته أمام الظروف والعوامل والحوادث المحيطة.
ويبقى بيان القرآن لمعنى الهلع أجلى وأبلغ من بيان كلّ مفسّر وأديب حيث يقول تعالى :
(إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً)
فإذا به يصبح طعمة لحالات الخوف النفسية ، فيفقد توازنه النفسي والفكري والسلوكي ، إلى حدّ الهزيمة واليأس. و «الشر» الذي تقصده الآية شامل لكلّ الحوادث السلبية معنوية ومادية ، فالخسارة الاقتصادية شر ، وفقدان الأحبة شر ، والمرض شر ، و.. و..
ولو أنّنا حقّقنا في حوادث الانتحار والحالات النفسية في العالم فسنجد أنّ معظمها عائدة إلى صفة الهلع (الجزع) عند الإنسان. ويقول الله «مسّه» لأنّ المس أدنى ما يصيب الإنسان من الشر أو الخير.
(وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)
والسبب حبّه المفرط لذاته ، وشح النفس الذي يجعله يريد الخير لنفسه فقط ،
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ٦١٢.
(٢) تفسير البصائر / ج ٤٩ ـ ص ١٢٠.