ـ حسب المفسرين ـ الناس المعاصرين لهم ، إذ أنّ الله فضّل المسلمين على غيرهم حين امتثلوا أحكام الله فقال : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ» (١)
[٣٣] وتفضيل الله لأمة من الناس على غيرهم لا يعني أنّهم يبقون الأفضل للأبد ، أو أنّهم يبعدون عن دائرة الامتحان والابتلاء ، كلّا .. فربّنا أعطى بني إسرائيل آيات القدرة والعلم والفضيلة ، ورزقهم النصر على عدوّهم ، وواتر عليهم أنبياءه ورسله ، ولكن هذه النعمة كانت تحمل في طيّاتها ألوانا من الامتحان.
(وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ)
الابتلاء سنّة ثابتة في الحياة لا يغيّرها شيء ، بلى. قد ينتقل الإنسان الفرد أو المجتمع من حال العسر إلى حال اليسر ، ولكنّه يبقى معرّضا للامتحان في الحالين سواء ، فاذا كان القهر والعذاب الذي حلّ ببني إسرائيل بلاء بالسيئة ، فانّ الاغراءات التي تنطوي عليها سائر النعم التي أعطيت لهم بعد النصر كانت بلاء بالحسنة ، وقد قال ربّنا سبحانه : «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (٢).
وهذا النوع من الابتلاء قد يكون أعطم خطورة على الإنسان من الأوّل ، وقد رأينا في تاريخ البشرية كيف أنّ الكثير من الناس يصمدون أمام الإرهاب والتعذيب ، ويتحدّون الطاغوت بصلابة واستقامة ، ولكنّهم ينهارون أمام الإغراء ، ولذلك يجب على الإنسان أن يحذر النعم كحذره من النقم وأشدّ من ذلك ، ولن يفلح في حياته إلّا إذا جعل حقيقة البلاء أمامه في كلّ حال ، وقد قال أمير المؤمنين
__________________
(١) آل عمران / ١١٠
(٢) الأعراف / ١٦٨